تكنولوجيا

شبكات التواصل الاجتماعي.. بين “الربيع العربي” و”العدوان على غزة”

كثيرة هي الأحداث التي لا تظهر حقيقتها إلا بعد مدة من الزمن، وهي الحقيقة التي لم تكن لتُعرَف حيث يسود تأويل واحد للأحداث، فتصبح كل التأويلات الأخرى لاغية بتدخل من سيكولوجية جماعية لا تقبل التفكير.

كذلك هو حال ما يسمى “الربيع العربي”، والذي ظهرت اليوم حقيقته الكبرى في إضعاف الدول وتفكيكها وتجزئة بعضها وابتزازها أجنبيا. فكان الأمر شبيها بـ”ثورات ملونة” تمت بحماية غربية ظن البعض، في غفل منا جميعا، أنها تغار على ديمقراطية مستعمَراتها السابقة.

لم يكن ما حصل في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن الخ؛ لم يكن ذلك وليد صدفة شعبية. وإنما هي صناعة قديمة، و”غرفة عمليات مشتركة”.

لا ينفي هذا قساوة ظروف الشعوب، إلا أنها من سوء أحوالها استدرِجت. وقد انكشفت عورة التدخل الإمبريالي في هذه الأحداث بتقارير وكتابات لعل أهمها كتاب “أرابيسك أمريكاني: أدوار “لاسيا” في الربيع العربي” للأكاديمي بجامعة مونتريال أحمد بن سعادة.

وقد كان الإعلام وسيلة فعالة في التحريض والتأجيج وخلق “البؤر الثورية” وتضخيمها. أما شبكات التواصل الاجتماعي فقد أصبحت “أداة الربيع” الأساسية. لا قيود عرفتها المواقف والشعارات والخطابات على “فيسبوك” و”تويتر” و”واتساب” و”تيليغرام” و”يوتيوب” وغيرها من مواقع الشابكة. لا قيود ما دام الهدف هو استهداف الدول والأنظمة، وما دامت الإمبريالية الغربية تريدها “ثورة ملونة” و”فوضى حلاقة” تعيد ترتيب المواقع الجيوسياسية في منطقة منهكة بالتوترات والحروب.

الأمر المثير والخطير أن رقابة هذه الشبكات على المحتويات المتطرفة والتي دعت إلى “الإرهاب المتأسلم” في العراق وسوريا؛ الأمر المثير أن هذه الرقابة لم تكن كافية وكما هو مطلوب، وربما تغاضت هذه الشبكات عن بعض المحتويات، فقيد الشباب والرجال والنساء من الشرق والغرب بأوهام منتشرة إلى ساحات الفناء والاقتتال واستهداف الدول دون علم منهم بالأهداف الحقيقية لالتحاقهم بسوريا والعراق.

وبعد قرابة عقد وزيادة من هذه الوقائع المؤسفة، جاءت معركة “طوفان الأقصى”، فشن الكيان الصهيوني عدوانا حقيقيا ووحشيا على الشعب الفلسطيني. ولم تكن الشعوب العربية والإسلامية وباقي شعوب العالم لتبقى مكتوفة الأيدي أمام هذه الإبادة الجماعية، فلجأت إلى شبكات التواصل الاجتماعي لنكتشف واقعا مؤسفا ومتناقضا مع ما كان رائجا زمن “فتنة الربيع”. لقد وجدت الشعوب نفسها أماما سياسة إعلامية جديدة وممنهجة وهذه أهم عناصرها:
-فرض قيود على انتشار المحتويات الداعمة للقضية الفلسطينية.

-محاصرة الحسابات المعروفة بدعمها للقضية.

-حجب المحتويات الداعمة للقضية خاصة إذا كانت تتعلق بالمقاومة.

-حذف حسابات تنشط في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

-توقيف صفحات اتخذت من الدفاع عن الشعب الفلسطيني قضية لها.

-استهداف شبكات لم تنفذ هذه السياسة (كما وقع بالنسبة لتيليغرام).

… الخ.

وهذا دليل صارخ على يد الإمبريالية الغربية في أحداث “فتنة الربيع”؛ هذه الإمبريالية التي وفرت الغطاء الحربي الجوي لقتل القذافي، ووفرت الظروف لظهور كيان إرهابي في عمق استراتيجي للوطن العربي الإسلامي، هي نفسها التي تدعم الكيان الصهيوني في عدوانه على الشعب الفلسطيني اليوم. ومن أساليب دعمها له، تجنيد الإعلام العولمي لمصلحته.

وإذا كان هذا الإعلام قد خدم مصلحتها لا مصلحة الشعوب في الوطن العربي الإسلامي، فهو كذلك اليوم لا يخدم إلى مصلحتها، وهذه المصلحة هي استهداف هذا الوطن وحرمانه من مقدراته وإمكانات استقلاله ونهوضه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى