المستجدات العربية

الجزائر والمغرب: صراع الدبلوماسية من أجل التموقع الإقليمي

بات واضحا أن السبب الرئيسي لإعفاء وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان العمامرة، لم يكن فقط بسبب رغبة في إزاحته من سباق الرئاسة الانتخابي، وإنما أيضا على خلفية إخفاقاته الدبلوماسية، فالأمر في الجوهر لا يتعلق بالعلاقة بين الرئيس ووزير الخارجية السابق، وإنما يتعلق بتقدير المؤسسة العسكرية لمسار إدارة الصراع مع المغرب.

الجديد في إدارة التوتر الذي برز في الأيام القليلة الماضية، شمل ثلاثة ملفات أساسية، الأول رياضي، يتعلق بفشل الجزائر في كسب رهان تنظيم كأس الأمم الافريقية (الكاف) سنة 2025، وحديث إعلامي جزائري كثيف عن فشل آخر متوقع في تنظيم كان 2027، بعد تقديمها لملف ترشيحها، بزعم أن السينغال ستكون الأوفر حظا.

رسميا، لم يعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) بشكل رسمي عن الجهة المنظمة لكأس إفريقيا سنة 2025، لكن وسائل الإعلام الجزائرية، ومختلف الفاعلين في حقل رياضة كرة القدم الجزائرية باتوا مقتنعين بأن تقديم الجزائر لملف ترشيحها لتنظيم كان 2027، جاء على خلفية فشل ذريع للدبلوماسية الجزائرية في الحصول على أصوات أعضاء المكتب المسير للاتحاد الإفريقي.

الملف الثاني، ويتعلق بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فقد برزت ثلاثة تطورات مهمة، تكشف خيبة الدبلوماسية الجزائرية في إدارة الصراع مع المغرب، فمن جهة، نشرت لجنة التحقيق في برامج «بيغاسوس» التابعة لبرلمان الاتحاد الأوروبي تقريرا مفصلا يبرئ المغرب من التهم الموجهة له، وكشف رئيس اللجنة، عضو البرلمان الأوروبي، البرلماني الهولندي «جيرون لينيرز» أنه بعد مضي أربعة عشر شهرا على التحقيق، لا يوجد أي دليل ضد المغرب يثبت مزاعم استعماله برنامج «بيغاسوس».

ومن جهة ثانية، صوت البرلمان الأوروبي في 11 مايو على اللائحة المتعلقة بوضع الحريات الإعلامية في الجزائر، بتأييد 536 نائبا ورفض 4 وامتناع 18، وقد مثلت هذه اللائحة إدانة قوية لوضعية حقوق الإنسان في الجزائر وبشكل خاص وضعية حرية الصحافة والتعبير، وهو التصويت الذي أغاظ السلطات الجزائرية، فجاء الرد من قبل غرفتي البرلمان، ببيانات شديدة تصف ما صدر عن البرلمان الأوروبي، بـ«الانزلاق الخطير» و«التدخل السافر» في الشأن الداخلي.

النكسة الثالثة، في هذا الملف، وتتعلق بدخول العلاقات المغربية الإسبانية من جهة، والعلاقات المغربية الألمانية من جهة ثانية، والعلاقات المغربية البريطانية من جهة ثالثة، إلى دائرة الشراكة الاستراتيجية، من خلال مشاريع الطاقة (تزويد 7 ملايين أسرة بريطانية بالكهرباء) أو الطاقة المتجددة (كما هو الشأن بالنسبة للهيدروجين الأخضر مع ألمانيا) أو الشراكة المتنوعة الأشكال مع مدريد.

وأما النكسة الرابعة، فتتعلق بالاختراق الجديد الذي حققه المغرب مع البرتغال، وإعلان دعمها لمقترح المغرب في الحكم الذاتي وذلك خلال الاجتماع الـ 14 رفيع المستوى بين الرباط ولشبونة الذي قرر رفع العلاقة بين البلدين لمستوى استراتيجي، وهو التطور الذي أزعج الجزائر، ودفع بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى زيارة البرتغال بشكل غير مبرمج سلفا، من أجل الاستدراك وإزالة المبادرة من يد الرباط حيث تم اتفاقات تبادل ثنائي في مجال الحوكمة الرقمية وعصرنة الإدارة، والتبادل الثقافي، ومذكرات تفاهم تتعلق بالمؤسسات الناشئة والابتكار، عقد شراكة بين رجال الأعمال الجزائريين وكونفدرالية الشركات البرتغالية).

يتعلق الملف الثالث، بالتموقع السياسي والاستراتيجي في إفريقيا، فقد بذلت الجزائر جهدا من أجل الاستدراك، وحملت التطورات الجارية حدثين اثنين يرمزان للتحرك الجزئي للدبلوماسية الجزائرية، ويتعلق الأول، بالوفد الإفريقي للوساطة بين روسيا وأوكرانيا للتسوية السلمية، والذي تقوده كل من جنوب إفريقيا وأوغندا، اللتين تعاديان مصالح المغرب في الصحراء، وتعلق الثاني، بتصريحات صدرت من رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية اكينوومي اديسينا، بأن المؤسسة المالية تدعم المشروع النجيري الجزائري لمد أنبوب الغاز العابر للصحراء نحو أوروبا.

في الواقع، لا يحمل هذان التطوران شيئا ذا بال، فالدبلوماسية المغربية لا تعنى كثيرا بالمبادرات الرمزية التي لا يتوقع حدوث أثر لها، فالتقدير المغربي، أن الشروط لم تنضج بعد لتصور إمكانية نجاح تسوية بين كييف وموسكو، وأنه من جهة المبدأ، لا ينخرط في المبادرات التي يعرف سلفا أنها ستبوء بالفشل، وهو يدرك من جهة مقابلة، أن هذه المبادرة الصادرة من هذه الدول الإفريقية القريبة من المحور تريد أن تثبت للولايات المتحدة الأمريكية وللاتحاد الأوروبي بأن اقترابها من روسيا ليس أمرا مبدئيا ولا يمثل شيكا على بياض بالنسبة لموسكو، وأن القارة الأفريقية توجد على مسافة من الطرفين وأنها تتجه نحو الحياد.

وبالنسبة للحدث الثاني، فإنه هو الآخر لا يحمل أي دلالة سياسية أو استراتيجية، فالمتحدث باسم البنك الإفريقي للتنمية، لم يقدم أي التزام بشأن التمويل، وإنما تحدث عن إمكانية الدعم بناء على الطابع الاستراتيجي للمشروع، وهو بالمناسبة بالمقارنة مع التصريح السابق الذي أدلى به في حق المشروع النجيري المغربي لمد أنابيب الغاز إلى القارة الأوروبية عبر عدد من الدول الإفريقية خلال المنتدى الثالث للاستثمار في إفريقيا المنظم من البنك الإفريقي للتنمية الأفريقي في بداية نوفمبر 2022، كان أكثر تحفظا، فقد سبق أن قال الكلمات نفسها في حق المشروع النيجيري المغربي، ولم يكن متحفظا من جهة إثبات مردوديته الاقتصادية على الدول الإفريقية المتعددة التي سيمر منها، وتمكينها من مصادر الطاقة، ومساهمة المشروع في تحسين مستوى معيشة السكان، وتكامل اقتصادات المنطقة، وأكد في تصريحه الجدوى الاقتصادية للمشروع وقدرته التنافسية، مقارنة بمصادر التوريد الأخرى، وتحدث عن تحسن مسار المشروع، وذلك طبقا للمعايير الموضوعية وبخاصة الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بالتنمية الإقليمية لمجموع منطقة غرب إفريقيا.

واضح من هذه المقارنة، أن التصريحات المبدئية الصادرة من مسؤولي البنك الإفريقي للتنمية لا تحمل أي طابع استراتيجي، ولا تحمل أي التزام بالنسبة للطرفين، وأن طابع الحياد هو الذي يفسر صدورها بشكل متشابه، وأن مسؤولي البنك ينتظرون استكمال الخطوات الأولى المرتبطة بدراسة المشروع، وأن القرار سيصدر عند التثبت من جدية أحد المشروعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى