أراء وأفكار وتحليل

المغرب يشد قبضته… زمن العبث الرقمي انتهى

بقلم / سيداتي بيدا

لم يعد الفضاء الرقمي في المغرب كما كان. فالأيام الأخيرة حملت معها موجة حازمة من التوقيفات والمتابعات القضائية التي طالت عدداً من صُنّاع المحتوى عبر مختلف المدن، في سياق حملة بات اسمها يتردد بقوة: “زيرو تفاهة”، التي تخوضها الحقوقية المغربية سميرة البقالي باندفاع لافت، وبقناعة أن تنظيف الساحة الرقمية لم يعد خياراً، بل واجباً وطنياً لا يقبل التأجيل.

هذه الحملة ليست صرخة غضب عابرة، بل تحركٌ منظم تقوده جمعية حقوقية وضعت ملف “التفاهة الرقمية” تحت المجهر، وشرعت في تقديم شكايات رسمية ضد من يُسمّون “التيكتوكرز”، ممن حوّلوا منصات التواصل إلى مسرح يومي للابتذال، والإساءة، والربح السهل على حساب القيم والذوق العام. ومع تفاعل النيابات العامة ومصالح الأمن مع تلك الشكايات، بدأت الساحة الرقمية تشهد تغيراً حقيقياً: استدعاءات، تحقيقات، محاضر قانونية، وتوقيفات جعلت الكثيرين يعيدون حساباتهم قبل الضغط على زر “نشر”.

الرسالة اليوم أشد وضوحاً من أي وقت مضى:

المغرب قرر أن يضع حداً لحالة الانفلات الرقمي، وأن يوقف موجة المحتوى الهابط الذي استباح الأخلاق، وكرّس ثقافة خالية من الإبداع والمسؤولية. فحرية التعبير ليست عباءة تُستغل لإهانة الآخرين أو تسفيه المجتمع، ولا منصة للقفز على القانون تحت ذريعة “الترند”.

إن حملة “زيرو تفاهة” تعيد شيئاً من الهيبة لهذا الفضاء الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى رقعة يصول فيها من يعتقد أن الصراخ، والتفاهة، والابتزاز العاطفي يكفي لصناعة المشاهدات. اليوم، يكتشف هؤلاء أن القانون لا يتحرك ببطء… بل يتحرك حين يحين الوقت، وبقوة.

المرحلة الحالية ليست حرباً على صُنّاع المحتوى، بل تصفية حساب مع الإسفاف، ومع من يقتاتون على أعين المتابعين عبر محتوى لا يحمل قيمة ولا أخلاقاً ولا احتراماً. إنها معركة لاستعادة المعنى، ولمصالحة المغاربة مع فضائهم الرقمي الذي اختُطف طويلاً من قِبل أصوات لا تمثل إلا نفسها.

وإذا كانت هذه الحملة قد بدأت كتحرك مدني تقوده سميرة البقالي، فقد تحولت اليوم إلى موجة وعي جماعي، تساندها مؤسسات الدولة، وتستجيب معها النيابة العامة بسرعة لافتة، في رسالة تقول بصرامة: من يسيء… سيحاسَب.

لقد انتهى زمن العبث، وبدأ زمن الانضباط. والمحتوى الذي لا يحترم قيم هذا البلد لن يجد مكاناً يختبئ فيه.

فالمغرب اليوم لا يطارد التفاهة فقط… بل يطارد كل ما يحاول أن يجرّه إلى القاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى