أحداث وقضايا

فضيحة التزوير ومسؤولية الوزير التوفيق

في مشهد صادم يهزّ مصداقية المؤسسات الدينية بالمغرب، أصدرت المحكمة الابتدائية بخنيفرة حكما قضائيا بإدانة رئيس المجلس العلمي المحلي في قضية تزوير نتائج اختبارات الإمامة والخطابة والأذان.

حكمٌ موقوف التنفيذ، بثلاثة أشهر حبسا وغرامة مالية، لكنه أكبر من مجرد ملف قضائي عابر؛ إنه ناقوس خطر يُدقّ في وجه الوزارة الوصية، وفضيحة أخلاقية وإدارية من العيار الثقيل تضع الوزير أمام امتحان المساءلة السياسية.

القضية التي فجّرها العضو إدريس الإدريسي لم تكن زوبعة في فنجان، بل أثبتت المحكمة صدق روايته حول خروقات وتلاعبات مسّت نزاهة امتحانات دينية يُفترض أن تكون ميدانا للصدق والأمانة.

هذا الواقع يكشف حجم الاستهتار بالإجراءات القانونية والتلاعب في محاضر رسمية. الأخطر من ذلك أن المحكمة رصدت تأخيرا متعمدا في إحالة المحاضر إلى المجلس العلمي الأعلى بعد تدخلات وضغوطات، لتؤكد أن التزوير لم يكن هفوة، بل ممارسة ممنهجة بتواطؤ إداري.

هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: أين كانت الوزارة ومديرياتها ومصالحها المختصة؟

وأين هي آليات المراقبة التي تتغنى بها؟

كيف يمكن لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تُطلق خطة “تسديد التبليغ” وتطالب المغاربة بالثقة في خطابها الديني، فيما مؤسساتها المحلية تعيش على منطق المحسوبية والكولسة والولاءات؟ كيف نُصدّق دعواتها إلى تجديد الخطاب الديني وهي تعجز عن تطهير جسدها من التزوير والمحسوبية والزبونية؟

إن مسؤولية الوزير اليوم ليست إدارية فحسب، بل سياسية وأخلاقية. فالقضية تمسّ جوهر الثقة العامة في المؤسسة الدينية الرسمية، وتضرب في الصميم مشروع إصلاح الحقل الديني الذي طالما رُوِّجَ له بوصفه عنوانا للنزاهة والانضباط.

إن هذا الحكم القضائي لا يمكن تجاوزه بصمت بيروقراطي أو تبريرات شكلية أو تحميل المسؤولية لفرد بعينه، لأن التستر على الفساد هنا يعني شرعنته، ويحوّل المساجد من منابر للحق إلى ساحات لتزكية الباطل.

إنّ المغاربة ينتظرون من الوزير الوصي موقفا شجاعا؛ إمّا أن يفتح تحقيقا شفافا وشاملا يطيح بكل من تورّط في هذه الفضيحة، سواء في هذا المجلس أو في غيره من المجالس العلمية أو أن يُقدّم استقالته احتراما لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فخطة تسديد التبليغ لن تسدّد شيئا ما دام التبليغ نفسه ملوثا، والمجلس العلمي مثقلا بظلال التزوير.

الوقت حان لتطهير الحقل الديني من العبث، واستعادة ثقة الناس التي لا تُبنى إلا على الصدق، لا على التواطؤ والصمت والفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى