أكد آلان جويي، خبير فرنسي في الذكاء الاقتصادي مسؤول أمني السابق، أن المغرب نجح في ترسيخ مكانته كـ”قطب اقتصادي وسياسي حقيقي” في إفريقيا، مرجعا هذا التطور الاستثنائي إلى الرؤية بعيدة المدى للملك محمد السادس والاستقرار السياسي الذي تنعم به المملكة.
أوضح جويي، الذي شغل مناصب رفيعة في جهاز الأمن الخارجي الفرنسي، أن هذا النموذج التنموي الفريد جعل من المغرب البلد الأكثر دينامية في شمال إفريقيا ومنصة استثمارية جاذبة للقوى الدولية. كما شدد على أن الموقف الفرنسي من قضية الصحراء أصبح محسوما من خلال الاعتراف الواضح بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو ما تترجمه اليوم دينامية اقتصادية متزايدة في المنطقة، مؤكدا أن البنوك المغربية أصبحت تلعب دورا محوريا في إفريقيا الفرنكوفونية، مما يعزز مكانة المملكة كشريك استراتيجي لا غنى عنه في القارة.
نموذج استثنائي
قال آلان جويي إن المغرب يُعدّ اليوم من أسرع بلدان شمال إفريقيا نموا على المستوى الاقتصادي، بل من أبرز نماذج التطور في القارة برمتها، موردا: “أنا أعرف المغرب منذ زمن طويل، وما يمكن قوله بيقين هو أن المملكة عرفت تطورا استثنائيا خلال العقود الأخيرة، وأصبحت اليوم البلد الأكثر دينامية في شمال إفريقيا. بل حتى عند المقارنة مع إفريقيا الفرنكوفونية جنوبا، نلاحظ أن معدلات النمو في المغرب تفوق بكثير تلك المسجلة في دول المنطقة”.
وأضاف أن هذا النجاح لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة رؤية واضحة قادها الملك محمد السادس: “تحت قيادة جلالة الملك، أخذ المغرب موقعا متزايد الأهمية في القارة، وأصبح يشكل قطبا اقتصاديا وسياسيا حقيقيا، بل منصة إقليمية للتوجه نحو إفريقيا الفرنكوفونية. وهذا ما يدركه الجميع اليوم، من مستثمرين من الشرق الأوسط إلى الأمريكيين الذين باتوا يضخون استثمارات متزايدة في المملكة”.
مغربية الصحراء
حول الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية، أوضح جويي أن الأمور باتت محسومة هذه المرة: “منذ البداية، كان الجميع في فرنسا يدرك أن المغرب هو الطرف الشرعي في هذه القضية، لكن بعض التحفظات الدبلوماسية كانت تؤخر الإعلان الواضح عن ذلك. اليوم، اتُّخذ القرار: فرنسا حسمت موقفها وأكدت اعترافها بسيادة المغرب على هذه المنطقة”.
وأشار المسؤول الفرنسي السابق إلى أن هذا الموقف لم يبقَ في حدود التصريحات السياسية، بل تُرجم إلى دينامية اقتصادية واستثمارية ملموسة: “نرى اليوم زيارات وزراء فرنسيين إلى المغرب، واجتماعات لرجال الأعمال الفرنسيين في الداخلة. هناك الآن حركة جديدة ومتماسكة تُترجم القرار السياسي إلى واقع اقتصادي، وهذا يتقاطع مع رؤية جلالة الملك الهادفة إلى جعل الأقاليم الجنوبية محورا للتعاون الإفريقي، خصوصا في إطار التوجه نحو بلدان الساحل والمحيط الأطلسي”.
رؤية واضحة
يرى آلان جويي أن ما يميز التجربة المغربية هو وضوح الرؤية واستمراريتها في الزمن، وهو ما يفتقده كثير من البلدان الأخرى: “حين ينجح بلد في تحقيق نمو مستدام، فذلك لأنه يمتلك رؤية سياسية بعيدة المدى. في العالم المعاصر، لا يمكن لأي دولة أن تضمن مكانتها أو جاذبيتها الدولية من دون سياسة واضحة ومستمرة. المغرب تبنى منذ سنوات طويلة خيار التنمية، وأثبت التزامه به من خلال الإنجازات الفعلية”.
وأوضح قائلا: “منذ إطلاق المشاريع الكبرى في الشمال، كميناء طنجة المتوسط والمناطق الصناعية في القنيطرة وغيرها، وصولا إلى التنمية المتسارعة في الجنوب، نرى أن المغرب يتقدم بخطى ثابتة وفق منطق استراتيجي منسجم. وهذا ما يجعل المستثمرين يثقون به ويقبلون عليه”.
مكانة في إفريقيا
في تقييمه للحضور المغربي المتنامي في إفريقيا، ذكر جويي أن المملكة تمكنت من ملء الفراغ الذي تركته فرنسا في العديد من الدول الفرنكوفونية، خاصة على المستوى المالي: “لقد لاحظنا أن البنوك المغربية حلت تدريجيا محل البنوك الفرنسية في بلدان إفريقيا الفرنكوفونية، وهو أمر جوهري لأن البنوك هي العمود الفقري لأي استثمار. فحين يقرر الصناعيون الاستثمار في بلد ما، يحتاجون إلى مؤسسات مالية موثوقة تواكبهم، والمغرب وفّر هذا الإطار”.
وأشار إلى أن هذا التحول المالي ترافق مع رؤية ملكية ثابتة تجاه إفريقيا: “منذ اعتلاء جلالة الملك العرش، أكد مرارا رغبته في تعميق التعاون مع البلدان الإفريقية، ولا يكتفي بذلك على مستوى الخطاب، بل يترجمه إلى مشاريع ملموسة. ولهذا أصبح المغرب اليوم فاعلا أساسيا في القارة، يتمتع بالثقة والاحترام”.
في ختام حديثه، شدد آلان جويي على أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو تعزيز موقعه كقوة اقتصادية وسياسية إقليمية، مستفيدا من الاستقرار السياسي والرؤية الملكية الواضحة، مؤكدا أن “السنوات المقبلة ستجعل من الأقاليم الجنوبية منصة استراتيجية رئيسية نحو إفريقيا الغربية والفرنكوفونية، وأن فرنسا، مثل غيرها، بدأت تدرك أهمية هذا التحول وتعمل على التموقع إلى جانبه”.