أراء وأفكار وتحليل

حين يُختبر الولاء..

 

منير لكماني 01/08/25 ألمانيا

ترابٌ يسكننا أكثر مما نسكنه

في زحام الحياة اليومية، قد نمرّ على الأرض التي نعيش عليها كما يمرّ الغريب: نتحرك فوقها، نأكل من خيراتها، نستنشق هواءها، ثم نُكمل الطريق دون أن نلتفت.

ولكن… هل نحن حقًا نعيش في أوطاننا؟ أم أنها فقط تعيش في أوراقنا الثبوتية؟

الوطن ليس خريطة تُرسَم، ولا نشيدًا نُردّده، ولا جوازًا نحمله بين المطارات.

الوطن هو ذلك الإحساس الخفي الذي يسري في القلب حين نسمع اسمه، ونراه مريضًا فننهض لعلاجه، لا نهجره… ولا نعيّره بضعفه.

الانتماء… مرآة الذات لا صوت الجماعة

الانتماء لا يُقاس بعدد الكلمات التي نكتبها عنه، ولا بعدد الصور التي نرفعها له.

الانتماء الحقيقي يبدأ عندما نشعر أن خلل الوطن خللٌ فينا، وأن صلاحه مهمّة لا نعفي أنفسنا منها.

ليس الانتماء رضًا أعمى، بل بصيرة تُبصر النقص ولا تغادر.

هو أن نحزن حين نتألم من واقعنا، لكن لا نيأس؛ أن نغضب من التراجع، لكن لا نهدم؛ أن نشتكي الخلل، لا لنشهره، بل لنُداويه.

الوطن لا يخذل من وقف معه، لكنه يُثقِل كاهله بالذين لا يرونه إلا حين يُرضيهم، ولا يذكرونه إلا إذا اشتكوا منه

حين نربّي الاغتراب بأيدينا

الانفصال عن الوطن لا يبدأ بالمغادرة الجسدية، بل بانقطاع الشعور نحوه.

حين نربّي أبناءنا على السخط بدل الشكر، على الشك بدل الثقة، على الشتم بدل البناء… نكون نحن أول من زرع الاغتراب في أرواحهم.

تغدو البلاد في عيون الجيل الجديد مجرد محطة انتظار، لا بيتًا يُحافظ عليه.

وهكذا نفقدهم… ويخسرون أوطانهم قبل أن يعرفوها.

حبٌّ لا يُقال… بل يُمارس

من ينتمي حقًا، هو من يسهم بكلمة، بفكرة، بسلوك، بصبر.

لا يحتاج الوطن إلى المدّاحين، بل إلى من يحملونه حين يثقُل، ويدفعونه للأمام حين يتعثر.

فكّر دومًا: ماذا يمكن أن أفعل ليكون وطني أفضل؟

لا تسأل: ماذا أعطاني وطني؟ بل اسأل: ماذا بقي منه حين غبت أنا؟

أوطاننا لا تحتاج معجزة… بل وعيًا صادقًا

حتى نعيد للوطن مكانته في قلوبنا، لا بد من خطوات عملية، تبدأ منّا نحن، لا من غيرنا:

 1. زرع الحب قبل النقد في نفوس الأجيال، فالوطن يُصلحه من يحبه، لا من يحتقره.

 2. إصلاح الخطاب الإعلامي والتربوي، ليصنع وعياً متوازنًا: لا تزييفًا، ولا تحقيرًا.

 3. غرس روح المشاركة لا الشكوى: أن يشعر كل فرد أن له يدًا في البناء، مهما صغرت.

 4. الاحتفاء بالنماذج الصادقة التي تعمل بصمت وتبني بعيدًا عن الضجيج.

 5. تحويل الشعور بالانتماء إلى أفعال: احترام القوانين، الحفاظ على الممتلكات العامة، دعم المبادرات الوطنية.

الوطن ليس قضية تُناقَش في المساء، ثم ننام عنها.

إنه أمانةٌ على الظهر، وسؤالٌ في الضمير: هل كنت جديرًا به؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى