أراء وأفكار وتحليل

القدوة في زمن الترند : صورة بلا معنى؟

 

من تأملات مشروع “فطرة”.. حنان جمالي

في كل عصر، وُجدت نماذج يحتذى بها.
شخصيات كانت مرآة للطموح، وتجسيدا للقيمة والنجاح في نظر جيلها.

لكن في زمننا هذا، تغيرت المعايير بسرعة مدهشة.
لم تعد القدوة من يضيف قيمة، بل من يحقق أكبر قدر من التفاعل.
لم يعد النجاح مرتبطا بالمعنى أو الأثر، بل بعدد المشاهدات، والإعجابات، والظهور المتكرر.

أصبح “الترند” هو المقياس.
من يعلو صوته، من يثير، من يدهش، من يربح… هو من يعتبر ناجحا،
حتى لو لم يكن لما يقدمه أي جوهر حقيقي.

تحت ضغط هذا المشهد المتسارع، بدأ الذوق يضعف، وخفت صوت القيم.
لا لأن الناس فقدوا الإحساس بها، بل لأن المساحة التي كانت مخصصة لها بدأت تضيق.
الصورة السريعة صارت أقوى من الكلمة العميقة،
والمحتوى العابر صار أكثر حضورا من المعنى المستقر.

لكن هذا لا يعني أن النماذج النبيلة قد اختفت،
بل فقط لم تُعرض كما ينبغي، ولم تُمنح نفس المساحة، ولم تحظَ بنفس الدعم.

ولذلك فالسؤال لم يعد:
“لماذا انجذب كثيرون إلى النماذج الفارغة؟”
بل: “من الذي قدم بديلا عنها؟”

نحن من هذا الجيل، ونعرف تماما كيف تغيرت الصورة من حولنا.
نعيش وسط هذا الواقع، ونرى كيف يعاد تشكيل الذوق والمعايير بالتكرار والمشاركة وحتى بما نتجاوزه بصمت.

ولأن من يبدي اعتراضا على هذا الواقع يُتهم غالبا بالمبالغة أو بعدم فهم العصر،
اصبح التجاهل هو الأسهل… حتى لمن يرى الخلل بوضوح.

لكن الاستسلام لهذا التيار لا ينقذ أحدا.

ولهذا، أصبح الوعي مهما أكثر من أي وقت مضى:
أن ننتبه لما نتابعه، وما نعجب به، وما نكرره دون تفكير.

التغيير لا يتطلب خطابا كبيرا ولا صداما.
أحيانا يكفي أن نظهر خيارا مختلفا،
أن نشارك محتوى يحمل قيمة،
وأن نشجع من يحاول أن يضيف.

دعم المحتوى الهادف ليس مجاملة… بل مسؤولية.
فبالتكرار يتكون الذوق، وبالذوق تبنى القدوة.

وإن لم نكن نحن من يصنع هذا التكرار،
فالصورة التي نبحث عنها… لن يراها أحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى