الدكتور جمال التودي/التحدي الافريقي
يخلد العالم يوم 3 ماي من كل سنة، ذكرى الاحتفال باليوم العالمي للصحافة، بكل أصنافها وأنواعها، والصحافة المكتوبة هوالصنف الذي يهمنا، وسنحاول تسليط الضوء عليه، نظرا لما تعانيه مهنة المتاعب من مشاكل، ومضايقات، بحيث كل سنة يحاول الممارسين لهذا المجال تقييم الصحافة المكتوبة، وتحديد العراقيل التي تعترض حاملي الأقلام والعدسات، باعتبارهم مكلفين بالبحث عن الخبر في حقل كله ألغام ودسائس، ومطبات تعترض كل من تجرأ على اقتحام دروبه المظلمة، وأنفاقه الوعرة، ودهاليزه المتشعبة، التي يختلط فيها احكام مقتضيات القانون مع مضايقات السلطة، ومناورات رجال السياسة، واكراهات الواقع، الشيء الذي يجعل الممارسة الصحفية تعرف مدا وجزرا، تارة تخضع لجبروت الرقابة المحكمة، وتارة أخرى تنفلت من معاقل المضايقات بفضل حنكة وذكاء الممارسين لها، حاملين مشعل البحث عن المعلومة من مصادرها الموثوقة، والخبر من معاقله الميدانية..
اذن، ما موقع مهنة المتاعب باقليم تاونات، الذي تغيب فيه كل المعلومات، الا الاخبار المأساوية ؟!
بكل صراحة، نخلد هذا اليوم الذي يصادف ذكرى الاحتفال باليوم العالمي لمهنة المتاعب، بنوع من التفاؤل والأمل، لكون مهنة الصحافة بمدينة تاونات تعيش فترة زاهية في كنف شباب مغامر، جريء، لا تخيفه دهاليز البحث عن الخبر اليقين، ولو في أذغال مصادر محفوفة بمخاطر متنوعة، من حيث دخول غياهب السجن، أو النبش في مواضيع قد تسبب متاعب جمة لهذه الفئة من الشباب، ما دامت الغاية نبيلة.
والهدف محمودا، والوسيلة مشروعة، يبررها القانون المهني للصحافة، ويؤطرها الاحتكام للضمير المهني، بعيدا عن اغراءات المال، ومساومة السياسة التي اذا تسلطت على أي مهنة أفسدتها، وجعلتها هيكلا بدون روح، وبالأحرى اذا كانت مهنة الصحافة التي تنبني على استقاء المعلومة، بعد التحري والتمحيص، والتركيب واخضاعها لمجهر الشفافية، ومنطق الحقيقة، خاصة اذا كانت في تماس بين الحياة الخاصة، والصفة العمومية للأفراد والممارس العمومي..
نعم، نتابع هذا اليوم من الاحتفاء بمهنة المتاعب، ونحن نسلط الضوء على واقع الصحافة المحلية، وكيف تعالج وترصد، وتنقل الخبر عن هذه المدينة الجبلية المترامية الاطراف، الغارقة في المشاكل من كل حذب وصوب، وما يزيدها ظلاما وقتامة هي التركيبة الرباعية التي تعرقل الوصول للخبر، سواء هاجس السلطة الذي يعتبر الصحافة جنسا غير مرغوب فيه، او برغماتية رجل السياسة الذي تؤرقه حرية الصحافة، لانها تعري واقعه المشكوك فيه، وتفضح تحركاته الانتهازية بالاقليم.
بالاضافة الى الرقابة الصريحة والضمنية التي تفرضها مقتضيات القانون الجنائي على مرتدي سفينة الصحافة، لكون مهنة المتاعب تتعرض لمضايقات عديدة، رغم أن الدولة حاولت التقليل من تلك المخاوف، أو بالأحرى المناورة، من خلال اصدار قوانين موازية وأخرى تكميلية تنظم هذا الحقل الملغوم الذي يعنى بالخبر، عبر صدور قانون الحق في المعلومة، لكن أردفته بصنو حذر من القوانين الأخرى، كقانون حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، الذي يعتبر “كعش الدبابير” الذي يقض مضجع الصحفيين، لكون الاقتراب من أي معلومة، قد تفسر بشكل فج بأنها تمس حياة ومعطيات شخصية !!
بالفعل، رحم اقليم تاونات ولد لنا شباب أفداد اقتحموا عالم الصحافة من البوابة المحلية، ومن التجربة التي تنهال من الاشكالات والقضايا الاقليم المترامي الاطراف، رغم شح المعلومة، وغياب الامكانيات، استطاعوا ولوج مهنة المصاعب، بنوع من الذكاء، وتجاسروا على النبش في قضايا عجز من الاقتراب منها فطاحلة الصحافة الذين أعطوا للرقابة الذاتية، أكثر مما أطرها القانون، والممارسة العملية في المجال الصحفي بعدها التحذيري…
نعم، ياسادة.. ! شباب كثر، اقتحموا المجال الصحفي بالمدينة للبحث عن الخبر الموثوق منه، وركوب الجبال الوعرة للوصول الى مصادر المعطيات، كما غامروا بحريتهم لانتزاع المعلومة التي أصبحت تشكل عملة ناذرة؛ خصوصا عندما يكون لمدينة تاونات، شباب من أمثال الصحفيان ياسين بودبزة، وكريم باجو، وشباب أخرون ولجوا مهنة المتاعب في ظروف محفوفة بالمخاطر..
ولكن امتلاك الجرأة في اقتحام الجسم الاعلامي، والتحلي بالمصداقية في كشف الحقائق، والشفافية في نشر المعلومة الخبرية، جعل من هؤلاء صناددة زمانهم، ورجال عصرهم، لأنه ليس من السهل أن تلج مجالا ملغوما بفخاخ الثغرات القانونية، وصعوبة الوصول الى المعلومة، وتضخم الرقابة المفروضة على الصحافة المحلية، بالاضافة الى غياب الدعم على المستوى المحلي…
في الحقيقة، كانت تاونات مدرسة في الصحافة، وصل صداها الى خارج الاقليم، عبر مدرسة صحفية اسمها “صدى تاونات”، التي تتلمذ فيها شباب جريئون شربوا من منبع الصحافة الورقية، حاملين مشعل التغيير من باب “الخبر”، وعبر “القلم”، الذي لا يخاف لومة لائم، لأن الصحفي الذي يكون واثقا من عمله، متيقنا من معلوماته، وضابطا لتحركاته، يكون فعلا مراسل الكلمة، وسفير النوايا الحسنة لمدينته، عبر جناح صحافة الاستقصاء التي تنقل الخبر بكل مهنية واحترافية..
نعم، لقد تتبعنا تحركات ياسين بودبزة، وتغطياته لأخبار تاونات، شبر بشبر، وحي بحي، ودوار بدوار، جبل بجبل، متحديا شح الامكانيات، والتضاريس الوعرة التي تميز دواوير اقليم تاونات..
كما نتذكز التغطيات الصحفية لكبريات الملتقيات الفكرية والثقافية التي باشرها الصحفي الشاب كريم باجو، هذا الصنديد الذي حمل مشعل الصحافة المحلية مع ثلة من الشباب الغيورين على الاقليم، لا يمكن أن ينظم نشاط ثقافي، او تظاهرة رياضية الا ووجدت كاميرة الصحفي باجو حاضرة تنقل كل كبيرة وصغيرة، لتزويد المواطن التاوناتي بحقه في المعلومة والخبر اليقين ليشفي غليله…
فعلا، هناك صحافة محلية تشرف الاقليم، كما أن هناك صحافيين حاولوا الخروج عن النطاق الجغرافي الموسوم محليا، ليحلقوا جهويا ووطنيا، ولم لا عالميا عبر منصات، ومنابر الكترونية قد توصل الخبر الذي يهم المدينة الى رحاب مغاربة العالم بالحارج، المتعطشين الى معرفة أحوال مدينهم الجبلية، والاطلاع على قضايا أناس تركوهم في غياهب الجبال..
كل ما ينقص تاونات الجميلة، هو صحافة “التقارير” الاخبارية التي ترصد الاسباب والحقائق، مرفوقة بتحاليل دقيقة، من أجل تسلط الضوء على الأوراش والمشاريع الكبرى التي تعطلت بسبب تواطؤ السياسين والمدبرين المحليين، كمشروع “حليب بنصميم” الذي فوت على الاقليم تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الحليب ومشتقاته، بالاضافة الى مشروع السقي الذي يحاول البعض طمس فضيحته التي تعرض للسرقة والنهب..
كما ان هناك حاجة الى تقارير ترصد الواقع البيئي الذي أصبح يعيشه اقليم تاونات بسبب نفوث ملوثات المرج الذي يلقى من طرف معاصر الزيتون، والأضرار التي يسببها على حياة الانسان والدواب..
تخيلوا لو تم اعداد تقارير صحفية تخصص لها صفحات وتدقق في الخرو قات، خاصة التجاوزات التي عرفها مشروعي السقي الساهلة وبهودة التي تطرح اكثر من علامة اسفهام…
لقد حان الوقت في هذه المناسبة العالمية للصحافة، التي تصادف 3 ماي من كل عام، من التفكير في خلق منابر صحفية محلية محترفة، لأن الاقليم يعج بالأطر الشابة المتخصصة، على اعتبار اننا نلجأ الى منابر اعلامية وطنية ننشر عبرها المادة الصحفية التي تخص قضايا ومشاكل اقليم تاونات، حتى تصل الى المسؤولين جهويا ووطنا؛ مثل جريدة الصباح التي يواضب على النشر فيها الصحافي المخضرم، حميد الابيض، بالاضافة الى المنابر الاعلامية الأخرى كجريدتي البديل السياسي، والتحدي الافريقي اللتين تنقلان المقالات الصحفية تخص اقليم تاونات، والأخبار المحلية بكل مهنية واقتدار، من خلال نافذة عين على الهامش، التي يتم من خلالها رصد وتحليل الأحداث والوقائع والأفكار والمواقف التي لها علاقة بصفة مباشرة أو غير مباشرة باقليمنا الحبيب…
بالفعل، لا يمكن تحقيق طفرة على مستوى الاعلام المحلي، اذا لم يتم الاهتمام بالعنصر البشري الذي يختار ولوج مهنة المتاعب من بوابة الصحافة المحلية، بحيث يستوجب تقديم الدعم والمساعدة لهذه الأطقم المناضلة، والطاقات الشابة التي تكرس وقتها، وجهدها للبحث عن المعلومة، ونقل الخبر الرصين بكل مصداقية وتفان، في تحد تام لمضايقات السلطة، ومناورات رجال السياسة، واكراهات الواقع الذي يجعل مهنة المتاعب مجال محفوف بالمخاطر، يفرض على حامل “العدسة والقلم” اتخاذ جملة من التدابير حتى يسلك بسلام، ويفلت من المطبات التي تفرضها اكراهات المهنة..
من هذا المنبر نؤكد بأن الصحافة ليست ترفا فكريا، أو طقوسا فلكلورية يمارسها ثلة من الشباب، بل هي السلطة الرابعة التي ترصد وتحلل وتراقب كل صغيرة وكبيرة، بل تساهم في تحقيق التنمية، وتعتبر بمثابة المرآة الكاشفة لتجاعيد وجه المدبر السياسي وقبح ممارسة السلطة التي يمكن اصلاحها وتجاوزها عبر النقد والنقد البناء الذي تمارسه الصحافة الجادة والمسؤولة..
لهذه الاعتبارات، نقول لكل صحافية وصحافي نزيه كل عام وانتم صامدون، مرابطون باذغال اقليم تاونات، تنعمون بصحة وسلام…