عبدالوهاب قزيبر/التحدي الإفريقي
الجزء الثاني
ولنا في تجربة المخطط الاستعجالي خير مثال على الفشل الذريع الذي لحق منظومة التعليم المغربية، فقد نبعت فكرة المخطط أو البرنامج الاستعجالي عن خطة إنقاذ النظام التربوي التعليمي من الأزمات التي يتخبط فيها. ويستند في جوهره على مبدأين أساسيين: الأول يكمن في التخطيط المبرمج الذي يتسم بالتدقيق، والثاني يتضح جليا في التنفيذ الفوري للبرنامج، والتسريع في تطبيقه، وترجمته ميدانيا وواقعيا، دون بطء أو تأخير. ويشكل هذا المخطط كذلك خارطة طريق تحدد الخطوات العملية التي يجب الالتزام بها، من أجل إصلاح المنظومة التعليمية المغربية، و إعادة الثقة إلى المدرسة العمومية لكي تكون فعلا مدرسة النجاح، ومدرسة الحداثة، ومدرسة المستقبل التنموي، وهو يعتمد كما سبق الإشارة إلى ذلك، في قراراته ومبادئه على نتائج تقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008.
لقد فتح المجلس الأعلى للحسابات موضوع المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية، وهو مشروع ضخم رُصد له غلاف مالي قدره ثلاثة وأربعين مليار درهم؛ لكنه لم ينجح في تحقيق الأهداف التي حُددت له، وقد كان موضوع انتقادات من لدن مؤسسات دستورية عديدة ونقابات وجلسات مساءلة في البرلمان ومن لدن مختلف فئات المجتمع وفي هذا الصدد، أفرج المجلس الأعلى للحسابات عن تقرير خاص حول تقييم هذا المخطط الممتد في الفترة 2009-2012 أكد فيه أن النظام التعليمي لا يزال يعاني من العديد من النقائص، خصوصاً فيما يخص نقص الطاقة الاستيعابية، حيث لا تزال الإنجازات المتعلقة بتوسيع العرض المدرسي غير كافية. (انظر تقرير المجلس الأعلى للحسابات ، مايو 2018، ص:22)
ويخلص التقرير إلى فكرة واضحة، مفادها أن المخطط الاستعجالي لم يحقق جميع أهدافه، ولم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية الوطنية على اعتبار أن الوزارة المعنية لم تعتمد بشكل كاف بعض المرتكزات اللازمة لإنجاح أي سياسة عمومية عند مراحل التخطيط والبرمجة والتنفيذ والحكامة.
ويقصد التقرير بهذه المرتكزات القيام بتشخيص دقيق للوضعية الراهنة واتخاذ التدابير اللازمة قبل الشروع في تنفيذ أي برنامج، ثم تقييم المخاطر والتفكير في حلول بديلة، خصوصاً ما يتعلق بالقدرات التدبيرية لمختلف المتدخلين والشركاء في تنفيذه، إضافة إلى وضع نظام معلوماتي مندمج للقيادة مع توفير الأدوات والآليات التي من شأنها توضيح الرؤية حول تطور المنجزات مصحوبة بنظام ملائم للتقييم. (انظر تقرير المجلس الأعلى للحسابات ، مايو 2018، ص:16)
وتفيد معطيات التقرير أنه من أصل 1164 مؤسسة كانت مبرمجة ضمن أهداف المخطط الاستعجالي تم إنجاز 286 مؤسسة فقط، أي بنسبة إنجاز لا تتجاوز 24.6 في المائة. أما فيما يتعلق بهدف توسيع المؤسسات الموجودة ببناء 7052 حجرة درس جديدة، فإن الإنجازات لم تتجاوز 4062 حجرة بنسبة إنجاز في حدود 57.6 في المائة.
ووقف التقرير الأسود أيضاً على عدم تغطية الإنجازات لجميع الجماعات القروية بالإعداديات، حيث كان ضمن أهداف توفير الإعداديات والداخليات بجميع الجماعات؛ لكن الهدف لم يتحقق على أرض الواقع، واستقرت نسبة التغطية في حدود 66.5 في المائة برسم 2016/2017 مقابل 52.8 في المائة في 2008/2009.
وأشار قضاة المجلس الأعلى للحسابات إلى أنه على الرغم من الوسائل المخصصة لإعادة تأهيل جميع المؤسسات التعليمية، فإن النظام التعليمي استمر إلى غاية الموسم الدراسي 2016/2017 في استغلال 4376 مؤسسة لا تتوفر على شبكة الصرف الصحي، و3192 مؤسسة غير متصلة بشبكة المياه الصالحة للشرب، و681 مؤسسة غير مربوطة بشبكة الكهرباء، و9365 حجرة في وضعية متردية.
وكان من المفروض أن يوفر المخطط الاستعجالي التعليم الأولي بالمدارس الابتدائية بنسبة 80 في المائة سنة 2012 في أفق تعميمه سنة 2015، إلا أن هذا الهدف بقي بعيد المنال؛ ففي الموسم الدراسي 2016/2017، كانت 24 في المائة فقط من أصل 7767 مدرسة ابتدائية تتوفر على التعليم الأولي. (انظر تقرير المجلس الأعلى للحسابات ، مايو 2018، ص:67-68-69).
وفيما يخص الجودة، أورد التقرير أنه على الرغم من أهمية الميزانية المخصصة لذلك، بقي هذا الهدف بعيداً. ويتجلى هذا الوضع من خلال عدد من المؤشرات؛ أبزرها تفاقم معدل الاكتظاظ، حيث بقيت نسبها متفاوتة في الأسلاك الثلاثة الأولى وهي على التوالي 21.2 في المائة و42 في المائة و22.3 في المائة خلال الموسم الدراسي 2016/2017، مقابل 7.3 في المائة و16.5 في المائة و26.1 في المائة خلال الموسم الدراسي 2008/2009.
ومن بين أسباب تأثر جودة التعليم سلباً لجوء الوزارة إلى التوظيف بالتعاقد لتغطية الخصاص من المدرسة، وأشار التقرير إلى أن الخصاص في هيئة التدريس ظاهرة بنيوية في نظام التعليم المغربي. واعتبرت الوثيقة أن لجوء الوزارة إلى توظيف 54927 مدرساً بالتعاقد خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2018 وإلحاقهم مباشرة بالأقسام الدراسية دون الاستفادة من التكوين المطلوب قد أثر سلباً على جودة التعليم. (انظر تقرير المجلس الأعلى للحسابات ، مايو 2018، ص:77).
كما تحدث التقرير عن عدم تنفيذ جميع مشاريع القطب البيداغوجي كان له أثر سلبي على جودة النظام التعليمي، فعلى الرغم من تخصيص المخطط لـ12 مليار درهم لتنفيذ عشرة مشاريع لم يتم استكمال التدابير المرتبط به، ويتعلق الأمر على الخصوص بالمناهج الدراسية وإرساء نظام فعال للإعلام والتوجيه ودعم التمكن من اللغات وتحسين النظام البيداغوجي. كما أن بعض المشاريع جرى توقيفها بعد الشروع في تنفيذها، بسبب غياب رؤية مندمجة للإصلاح المنشود.
ويقول قضاة المجلس الأعلى للحسابات أنه على الرغم من تسجيل تحسن ملموس في مؤشرات الدعم الاجتماعي والدعم المدرسي لفائدة التلاميذ المنحدرين من أسر معوزة؛ فإن التدابير المتخذة في هذا الصدد لم تنعكس إيجاباً على النظام التعليمي، قصد الارتقاء بظروف التمدرس والاحتفاظ بالتلاميذ داخل المنظومة.
نخلص من كل ما سبق إلى فكرة واضحة، وهي أن المخطط الاستعجالي لم يحقق جميع أهدافه، ولم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية الوطنية على اعتبار أن الوزارة المعنية لم تعتمد بشكل كاف بعض المرتكزات اللازمة لإنجاح أي سياسة عمومية عند مراحل التخطيط والبرمجة والتنفيذ والحكامة.