مبادرة الملك الأطلسية تؤكد أن إفريقيا أضحت تنتج مبادرات خاصة
أكد المشاركون في لقاء نُظم أمس الثلاثاء 19 مارس 2024 بمراكش، على أن مبادرة الملك محمد السادس الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، تؤكد على أن القارة الإفريقية لم تعد تستقبل مبادرات اقتصادية دولية من جهات اقتصادية وازنة وإنما أضحت تنتج مبادرات خاصة بها تنسجم مع التطلعات الاقتصادية العالمية.
وأضاف المشاركون في هذا اللقاء الذي نظمته فعاليات المجتمع المدني بمراكش والجالية السنغالية بالمغرب والكنيسة الكاثوليكية بالمدينة الحمراء، حول موضوع « مراكش عاصمة للثقافة.. بوابة للانفتاح على المحيط الأفروأطلسي »، أن المبادرة تفتح هوامش جديدة داخل الاقتصاد العالمي، وتنطوي على مجموعة من الإيجابيات على مستوى العلاقات الدولية والتوازنات الدولية التي تضمن للمملكة موقعا جديدا داخل هذه التوازنات.
وأشاروا إلى أن المبادرة الأطلسية للملك تشكل إحياء للطرق التجارية التاريخية في إفريقيا مع المملكة المغربية، بالإضافة إلى تمكين هذه الدول من الانفتاح على وجهات اقتصادية جديدة.
وأكد محمد الغالي، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة التابعة لجامعة القاضي عياض، أن المبادرة الأطلسية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى ال48 للمسيرة الخضراء، كان لها وقع داخلي وخارجي لما تحمله من بعد إدماجي ينطلق من كون الدول الإفريقية تتقاسم الجغرافيا واللغة والدين ومجموعة من العادات والتقاليد والمصير المشترك.
وأضاف أن مبادرة الملك مستوعبة لسياق جيوسياسي يرتبط بكون العالم لم يعد آمنا كما كان سابقا خاصة على مستوى التجارة الدولية حيث يتم البحث عن بدائل للتجارة في البحر الأحمر والمحيط الهندي التي لم تعد آمنة، كما أنها أصبحت محفوفة بمجموعة من المخاطر بالمحيط الهادي مما يعكس وجاهة الرهان على المحيط الأطلسي.
وأشار في هذا السياق، إلى أن الدراسات الاستشرافية تؤكد على أن المحيط الأطلسي يشكل مجالا آمنا للتجارة الدولية مما يعكس الأهمية الكبيرة التي تكتسيها المبادرة الملكية في هذا المجال.
وأكد الأستاذ الغالي، على أنه لكي تنهض افريقيا بأدوارها الجيو سياسية يتعين أن يكون لها الحد الأدنى من التنظيم والولوج إلى مجموعة من الممرات البحرية على اعتبار أن مسألة الاستثمار وحركة الأشخاص ورؤوس الأموال مرتبطة بهذا النوع من الممرات البحرية.
من جانبه، أبرز عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، أن المبادرة الأطلسية لجلالة الملك القائمة على وضع البنيات التحتية المغربية والإمكانات التي تتوفر عليها المملكة رهن إشارة دول الساحل، تفتح آفاقا جديدة وتفاعل اقتصادي مع وجهات اقتصادية جديدة بأمريكا الجنوبية أو الشمالية أو أوروبا الأطلسية وبريطانيا.
وأضاف أن هذه المبادرة تكتسي أهمية بالغة لكونها تأتي من دولة من دول الجنوب حيث لم تعد إفريقيا اليوم فقط تستقبل مبادرات دولية على المستوى الاقتصادي، وإنما أصبحت تتعامل بمنطق رابح -رابح.
وتابع أن المبادرة تنسجم مع الخطاب السياسي والدبلوماسي للمملكة المغربية المرتكز على التعاون جنوب -جنوب، وتشكل انتصارا للأنظمة السياسية داخل إفريقيا التي تسعى إلى التنمية والإصلاح الاقتصادي والسياسي، وبالمقابل تراجعا للقوى السياسية التي لازالت حبيسة منطق الهيمنة في التعامل مع دول القارة.
من جهته، تطرق رشيد الشحمي، رئيس أكاديمية توبقال للدراسات والأبحاث الجامعية، للإشعاع الثقافي والديني والعلمي لمدينة مراكش منذ تأسيسها نحو دول الساحل والعوامل المساهمة في ذلك، مشيرا إلى أن من نتائج هذا الاشعاع تصحيح الثقافة الدينية بهذه الدول، والإسهام في توطين المذهب المالكي وانتشاره، وتأكيد مركزية مراكش في توطيد علاقات دبلوماسية قوية بين المغرب وهذه الدول آنذاك ونسج علاقات روحية بين الجانبين.
كما ذكر بالدور التجاري المتميز الذي لعبته مدينة مراكش منذ زمن بعيد بربط الشمال بالجنوب، وكذا على المستوى السياسي والدبلوماسي بين المغرب ودول جنوب الصحراء منذ زمن المرابطين.
أما رئيس جمعية الرعايا السنغاليين المقيمين بالمغرب، بوباكار ديي، فأشار إلى الاهتمام الذي توليه المملكة للقارة الإفريقية وهو ما تعكسه الزيارات المتعددة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس لعدد من الدول والتي شهدت نجاحا كبيرا، مما ساهم في إنشاء مقاولات مغربية عاملة في قطاعات من قبيل الأبناك والبناء والاتصالات والصناعات ولاسيما الفوسفاط والإسمنت.
كما نوه بوباكار ديي، بوضع المملكة لسياسة وطنية للهجرة واللجوء من أجل إدماج المهاجرين ولاسيما في مجال التكوين، والصحة وتعليم الأطفال.
وأكدت باقي التدخلات على أن المبادرة الأطلسية تسعى إلى تعزيز الموقع الجيو استراتيجي للمغرب ورهاناته الكبرى على استكمال ورش العمق الإفريقي، مبرزين الدور الذي يمكن أن يضطلع به المجتمع المدني في تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول الساحل والمحيط الأطلسي برعاية مغربية من خلال المكون الثقافي للمملكة.
وعرف هذا اللقاء، الذي نظم بدعم من المجلس الجماعي لمراكش بمناسبة اليوم الوطني للمجتمع المدني، حضور أساتذة وباحثين وطلبة وفعاليات المجتمع المدني وأفراد من الجالية السنغالية ومن دول إفريقيا أخرى المقيمين بالمغرب.