طبعا هذا العنوان ليس من باب الإخبار وإنما هو من باب التساؤل والتمني والرجاء لما هو متوقع أن يحدث ربما ذات يوم؛ ومن يدري فالأيام حبلى بالجديد كما يقال.
ففي الوقت الذي يُحرق فيه المغاربة على نار حارة (وحارّة نِيت) بسبب غلاء الأسعار الذي أتى على كل شيء، لم تكلف الوزارة الوصية على الشأن الديني أن تخصص ولو نصف خطبة من خطبها الموحدة لهذا الموضوع الذي يهم كل المغاربة وبشتى فئاتهم وأطيافهم.
الغلاء له أسباب متعددة ومتداخلة، نعم هذا لا نقاش فيه، لكن يبقى أبرزها بالنسبة للمواد المنتجة محليا وذات الوَفـْرة في الإنتاج، مثل الأسماك والخضروات، هو المضاربة والاحتكار و”الشناقة” والفساد الذي تعرفه كثير من الأسواق، وعجز الحكومة الذريع عن إيقاف هذا النزيف، وهنا يطرح سؤال: هل من يقوم بهذا الفساد من أفراد معنويين وغير معنويين، من مسيري شركات وأصحاب مراكز وقرار، لا يدخلون ضمن دائرة المومنين والمومنات الذين تستهدفهم الوزارة بخطابها الديني؟
ألم تعلن الوزارة وهي تسوّق لخطة تسديد التبليغ أنها تهدف إلى ربط العمل بالإيمان، وإصلاح الاختلال الناتج عن التفاوت والتباين الواقع بين ما يؤمن به المسلمون ويقولونه وبين ما يعيشونه في واقعهم الذي يعجّ بالاختلالات، بلى فقد سبق وأعلنت عن ذلك أكثر من مرّة، فأين التنزيل إذا! أم أن أمر الغلاء والمس بالقدرة الشرائية للمواطنين لا يدخل ضمن دائرة الحكم الشرعي والواجب العيني على المكلف؟
أخشى ما يخشاه المغاربة الغيورون على وزارتهم التي تعنى بتدبير شأنهم الديني أن يتحكم فيها السياسي فيخرجها عن الإطار المحدد لها، وإلا فكيف يمكن للمواطن أن يفسر تخصيص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لخطبة موحدة حول الاقتصاد في استعمال الماء، تركز فيها حديثها فقط عن إسراف المصلي في الوضوء، وتغض الطرف عن المسلم الذي يستنزف الفرشة المائية بزراعات “لافوكا” والفواكه المعدة للتصدير التي تهدر أكثر من 80 في المائة من مياه المغاربة، هل من يفعل هذه الأعمال لا يدخل في دائرة الإيمان أم ماذا؟!
إن الحديث عن غلاء الأسعار من فوق المنابر ليس كخطاب المناضلين والحقوقيين والمحللين الاقتصاديين، فلكل مجاله وطريقة معاجلته للظاهرة، والخطاب الشرعي الذي استعمله علماء المغرب ودعاته لسنوات طويلة، كان يوازن بين الرسالة الموجهة للتجار المحتكرين والمغالين في الأسعار ممن يمارسون الخديعة والغبن والاحتكار، والرسالة الموجهة للسياسي المنوطة به مسؤولية المتابعة والمحاسبة، والرسالة الموجهة أيضا للمتضرر من موجة الغلاء.
وهذا لا يدخل بحال في دائرة الخطاب الشعبوي الذي لطالما شنع عليه السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف، بل على العكس من ذلك فهذا يدخل في صميم الدين ورسالة الخطيب والفقيه والداعية.
ألم يقل رسول الله ﷺ: “رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى”.
ألم يقل ﷺ: “لا يحتكر إلا خاطئ” والخاطئ: العاصي الآثم.
ألم يؤكد ابن العربي المعافري المالكي أنه يتعين تسعير السلع إذا خيف على أهل السوق أن يفسدوا أموال المسلمين.
ألم يشدد علماؤنا على أن مسألة التسعير ترجع إلى مراعاة المصلحة، وأنها من قبيل السياسة الشرعية التي تُقَدَّم فيها المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
إذا كان كل هذا من صميم ديننا وثوابته، فلم الصمت على المفسدين الذين يدخلون المواطن المغربي في دائرة الجحيم، ويحُولون دونه ودون العيش الكريم الذي يحفظ الكرامة ويضمن الاستقرار.
وفي سياق الحديث عن خطبة الجمعة وغلاء الأسعار، يحضرني الخطيب السابق لمصلى حي اشماعو بمدينة سلا، وهو ذ. مصطفى الموهري، والذي سبق ووجه في خطبة لعيد الفطر لسنة 1438هـ حديثه للسياسيين ورؤساء الأحزاب والمسؤولين عموما بواجب أداء الأمانة ورعاية واجب التكليف المنوط بهم، وإعطاء الحقوق لأهلها، فـ”هناك مواطنون -وفق قوله- لا يجدون طعامهم ولباس أبنائهم”، واعظا إياهم بتقوى الله لأنهم زائلون، والدنيا زائلة عنهم.
فماذا كان مصير هذاالخطيبوالفقيه المغربي المقتدر، كان مصيره للأسف الشديد هو العزل والإقصاء.. وكأنه بكلامه هذا قد اقتحم دائرة الممنوع والمجرَّم على الخطيب المغربي في إطار هيكلة الحقل الديني.
ليس بتغييب جانب متين من الدين ونهج سياسة الإقصاء سيتمكن للسيد أحمد التوفيق من خدمة صرح الدعوة والتبليغ، ولا بجعل برزخ بين الديني والسياسي سيتمكن من التسويق لمشروعه والحصول على المصداقية وثقة المومنين والمومنات..
المطلوب اليوم أن تضطلع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمهامها في انسجام تام مع واجبها الديني والمسار التاريخي للسياسة الدينية لبلد كبير وذي ميزة خاصة اسمه المغرب، أما أن يصل بنا الوضع كي نتمنى فقط أن يحدثنا الخطيب عن حكم الاحتكار والغبن ورفع الأثمنة، وبأن الدين حاضر بقوة في الاقتصاد والبيع والشراء، فهذا وضع متقدم جدا لا ينذر بخير..