في قلب العاصمة الاقتصادية للمغرب، وبين الأزقة والشوارع التي تعج بالحركة والحياة، تقف العمارات السكنية شاهدةً على تناقض صارخ بين طموحات مدينة حديثة، دكية وإهمالٍ بصري لا يمكن إنكاره.
جدران متسخة، واجهات باهتة، وبقع سوداء تنتشر على الأسطح وكأنها آثار لنسيانٍ طويل الأمد.
*** تلوّث بصري يعكس الإهمال الحضري
فالمارّ بشوارع كبرى مثل محمد الخامس وشارع إدريس الحريزي و11 يناير ولالة ياقوت بوسط المدينة، و “الفداء”، “الحي المحمدي”، أو حتى أجزاء من “المعاريف” و”البرنوصي”، لا يمكنه إلا أن يلاحظ الحالة المتدهورة لواجهات العديد من العمارات.
أوساخ متراكمة، طلاء متقشّر، وبقع سوداء تشهد على سنوات من غياب الصيانة. لا يتعلق الأمر فقط بالأحياء الشعبية، بل حتى بعض الأحياء المتوسطة تعاني من نفس الظاهرة، مما يطرح علامات استفهام حول مسؤولية الجماعات المحلية والساكنة على حدّ سواء.
*** المواطن بين الإحباط والتطبيع
يقول سعيد.ب، أحد سكان عمارة بشارع محمد الخامس:
** “منذ أكثر من 10 سنوات، لم تُرمّم واجهة العمارة. نحن ندفع الضرائب، لكن لا نرى أثراً لتحسين المظهر العام. أصبحنا نعيش وسط الجدران المتسخة كأنها أمر طبيعي.”
مضيفا أن بعض السكان حاولوا في مناسبات سابقة تنظيم مبادرات لتنظيف الجدران، لكن غياب التعاون والتكلفة المالية أجهضت تلك المحاولات.
*** غياب التنسيق بين الساكنة والمجالس المحلية
بحسب مهندس معماري من الدار البيضاء، فإن العديد من البنايات، خاصة القديمة، لا تدخل ضمن برامج الصيانة الجماعية، ولا تخضع لمعايير موحدة للعناية بالمظهر الخارجي.
** “لا توجد آليات مراقبة تفرض على السكان أو النقابات ترميم الواجهات بشكل دوري. والمجالس المنتخبة لا تعتبر الأمر أولوية، رغم أن تأثيره مباشر على جمالية المدينة والسياحة.”
*** دعوات متزايدة لإطلاق مبادرات “تجميل المدينة”
في ظل هذا الوضع، بدأت بعض الجمعيات المدنية تطلق نداءات من أجل تحفيز السلطات على إدراج برامج لصيانة واجهات العمارات ضمن السياسات الحضرية. كما تقترح توفير دعم مالي أو إعفاءات ضريبية للسكان الذين ينخرطون في مشاريع تنظيف أو طلاء واجهات عماراتهم.
يقول أحد نشطاء المجتمع المدني:
** “لا يمكن الحديث عن مدينة حديثة بدون واجهات نظيفة. الجدران هي مرآة الحياة داخل المدينة، وإذا تركناها تتسخ، فإننا نترك سمعة المدينة تتشوه.”
رغم الطفرة العمرانية التي تشهدها الدار البيضاء، تبقى مسألة العناية بالواجهات والجدران السكنية منسية في السياسات الحضرية. النظافة ليست فقط مسؤولية فردية، بل مشروع جماعي يجب أن تنخرط فيه المجالس المحلية، النقابات السكنية، والمواطنون، حتى تستعيد البيضاء وجهها المشرق.