Uncategorized

هل تقايض تل أبيب بوقف الحرب غزة في موضوع الاتفاق النووي

منذ إطلاق حركة حماس الأسير الأمريكي ألكسندر عيدان، والشك يسود صفقة وقف الحرب على غزة.
حماس أكدت أن هذا الإفراج جاء ثمرة صفقة بضمانات من واشنطن بوقف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية بغزة، وواشنطن تتحدث كل مرة عن محاولات حثيثة مع الوسطاء لإنهاء الحرب، وتل أبيب، أطلقت عملية عربات جدعون من أجل احتلال غزة وتجويع سكانها، وخططت لجعل المساعدات الإنسانية بمثابة المصيدة لتهجير الفلسطينيين والقضاء على عناصر المقاومة، وبقيت متشبثة بخيار المفاوضات الجزئية، التي تتضمن في الأقصى وقفا مؤقتا لإطلاق النار.
في السابق، كانت فكرة المفاوضات الجزئية، خطة إسرائيلية لإنهاء ملف الأسرى دون أداء كلفة سياسية كبيرة، فهدف إسرائيل الاستراتيجي أن تنفذ ما تحدث عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عشية دخوله البيت البيضاوي بتهجير الفلسطينيين لسيناء أو أي دول أخرى.

اليوم، تبدلت عناصر المعادلة بالكامل، ليس فقط بسبب الأزمة الإنسانية في غزة، وحصول عزلة دولية شاملة لتل أبيب، ولكن، لأن مفعول الضغط بورقة التهجير انتهى مفعوله بالكسب الذي حققته واشنطن في الجولة الخليجية للرئيس الأمريكي، وهي الآن، تسير تسعى لتثبيت رؤيتها الجديدة للشرق الأوسط، بالتمكين لفرص استقرار طويل الأمد في المنطقة، بما يعني وقف الحرب في غزة وتجسير عملية إدارتها من خلال توافق أمريكي عربي، وإبرام الاتفاق النووي مع إيران.

حكومة بنيامين نتنياهو على مفترق طرق خطيرة، فالخلاف بين تل أبيب وواشنطن، لم يعد محصورا في وقف الحرب على غزة، بل صار الخلاف على الاتفاق النووي متداخلا إلى حد كبير مع موضوع وقف الحرب على غزة.

الاستراتيجية الإسرائيلية واضحة في موضوع البرنامج النووي الإيراني، فهي ترى أن إيران تشكل التهديد الأكبر لأمنها القومي، وأن أطروحة القضاء على المحاور دون اقتلاع رأس «الأفعى» لم تأت بأي نتيجة، وأن الكسب التكتيكي الذي تحقق في جبهة جنوب لبنان، أو في جبهة سوريا (إسقاط نظام بشار الأسد) لا يعني شيئا كثيرا بالنسبة لتل أبيب لو بقيت إيران محتفظة ببرنامجها النووي، إذ يمكن لها في أي وقت أن تعود للعبة دعم المحاور بخيارات أخرى.

تل أبيب، كما وضحت ذلك دراسة رئيس الأركان إيال زمير المنشورة في موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سنة 2022 بعنوان: «مواجهة سياسة إيران الإقليمية»، تعتبر أن رأس المشكلة في الحرس الثوري، بحكم أنه المشرف على البرنامج النووي وعلى المحاور، وأنه ما لم يتم توجيه ضربة قاسية إلى البرنامج النووي الإيراني، فإن التهديد سيبقى قائما، وأن الكسب التكتيكي الذي تحقق لن يخفف منه.

عمليا، تشعر تل أبيب بأن الحرب على غزة أضحت جد مكلفة، وذلك على كافة المستويات، فهي تعيش معضلة لا تعرف الخروج منها، فاقتصاد الحرب لا يقوى على الصمود، بينما أضحى تحصين التحالف الحكومي مستحيلا دون الاستمرار في الحرب، كما أن خطة إسرائيل للتهجير التي تتطلب استمرار سياسة تجويع الشعب الفلسطيني وفتح نوافذ محدودة في الجنوب لتشجيع إخلاء مناطق الشمال والوسط وتسهيل الهجرة والقضاء على عناصر المقاومة.

هذه الخطة، تقابل برفض دولي، ودينامية دبلوماسية دولية تفضي ليس فقط إلى عزلة إسرائيل، بل إلى حظر تصدير السلاح لها بما يعني استحالة استمرار الحرب، وبما يعني تهديد وجودها.

الكلفة العسكرية كبيرة، سواء من جهة الاستنزاف، أو من جهة تراجع الجاهزية وتنامي تهرب جنوب الاحتياط من المشاركة في الحرب بذرائع مختلفة، أغلبها نفسي.

في الأسبوع الماضي، حصل ارتباك كبير على مستوى الموقف الإسرائيلي من صفقة مع حماس، فرئيس الوزراء خرج بتصريح مثير بشر فيه بقرب إنهاء الحرب، ثم ما لبث أن تراجع وعاد لأسطوانته القديمة، بأن تل أبيب منفتحة على مجرد صفقة مؤقتة، وأن وقف الحرب مشروط بتحقيق نصر عسكري، والقضاء على حماس، وإخراج ما تبقى من قادتها للخارج.

رواية واشنطن هي الأخرى فيها كثير من التردد، فمرة يتم الإعلان عن التوصل لاتفاق مع حماس حول وقف دائم للحرب، ومرة عن وقف مؤقت، ومرة ثالثة عن اتفاق إطار عام، ومرة رابعة عن تسليم وثيقة تتضمن شروط الاتفاق.

الرئيس ألأمريكي كشف بكل صراحة بأن الخلاف مع إسرائيل موجود، وأنه حذر تل أبيب من توجيه ضربة إلى إيران لأن من شأن ذلك إفساد المفاوضات مع إيران، وفي الآن ذاته، يقول بأنه يتمنى في الأيام القلية القادمة أن تنضج جهود الوساطة اتفاقا لوقف الحرب بغزة.

وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر التقى ستيف ويتكوف بواشنطن عشية تصريح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط بأنه على وشك التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب بغزة، وسط حديث عن مفاوضات بين الاثنين حول البرنامج النووي الإيراني وصفقة إنهاء الحرب بغزة.

هذه المعطيات كلها، تشير بأن تل أبيب، اتجهت في مسار آخر في التفاوض مع واشنطن، وأنها لم تعد تكترث بالمفاوضات الأمريكية المباشرة مع حماس، بقدر ما يقع اهتمامها المركزي حول إدارتها للتفاوض مع واشنطن، وقدرتها على استعمال وقف الحرب على غزة ورقة مقايضة في موضوع البرنامج النووي.

الارتباك في الموقف الإسرائيلي بخصوص قطاع غزة، لا يفسر بتطور الموقف بخصوص هذه القضية، وإنما بتطور تفاوض واشنطن مع طهران حول الاتفاق النووي، فنتنياهو الذي زار البيت الأبيض للتنسيق مع واشنطن لتوجيه ضربة قاضية للبرنامج النووي الإيراني، عاد متحسرا من عدم تحقق أمنيته، وصار يمارس قدرا كبيرا من الابتزاز السياسي لواشنطن، ويوجه لها رسالة واضحة مفادها «إن كانت واشنطن تريد وقف الحرب على غزة، فيجب أن تساعدنا في ضرب إيران»، فتل أبيب تريد للكسب التكتيكي الذي تحقق أن يصير استراتيجيا، وهي تقدر أن هذا هو الوقت المناسب لذلك، وأن طهران توجد في أدنى مستويات قوتها الإقليمية، وأن إهداءها في هذا التوقيت اتفاقا نوويا، لا يوقف التخصيب، ويرفع عنها الحصار والعقوبات الاقتصادية، يعني تمكينها من شروط القوة التي ستعيد استثمارها من جديد لبناء محاورها التقليدية أو الاستثمار في محاور أخرى ومضاعفة تهديد الأمن القومي الإسرائيلي.

واشنطن ترى أن مصالحها الاستراتيجية مرتبطة بدعم استقرار طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط، وأن ذلك يقتضي وقف الحرب في غزة، وإبرام الاتفاق النووي مع إيران، وتقوية سوريا، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط بمنح دول الخليج الدور المحوري في الإقليم، بينما ترى تل أبيب، أن تشكيل الشرق الأوسط، سيتم من خلال القوة، بتوجيه ضربة إلى إيران، وإجبار الدول العربية إلى الدخول إلى محورها الأخضر تحت زعامتها، وأن «ما لم يتم فرضه بالقوة، سيتم فرضه بمزيد من القوة».

الخلاصة، أن واشنطن، لا تكاد تصل إلى شعاع ضوء في وقف الحرب في غزة، حتى ينتفض من جديد رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيضع في الكفة الأخرى طهران ودورها في تهديد أمنها القومي، وأنه لا يمكن لتل أبيب أن تخسر مرتين، بإعلان فشل إسرائيل في تحقيق النصر العسكري على حماس، وبتمكين طهران من الأمصال الضرورية لإعادة تشكيل قوتها ومحاورها من جديد، ولذلك، يتجه الخلاف إلى معركة الجولة الأخيرة، أي لا تحقيق للمصالح الأمريكية دون إنهاء دور رئيسي الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى