أثارت الخرجة الإعلامية لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الأحد، قراءات متباينة لمحللين سياسيين مغاربة، بين من قرأ فيها “تعبيرا عن رقصة الديك المذبوح، وتأكيدا لرفضها النزوع نحو مخرج لا غالب ولا مغلوب، لا سيما من خلال ادعاء غير ما ورد في منطوق القرار الأممي بشأن الصحراء”، ومن اعتبر أنها “تعكس بالفعل محاولة البلاد البحث عن مخرج لعزلتها الدولية التي كرّسها القرار”.
وكان أحمد عطاف أجرى حوارا مع قناة الجزائر الدولية، بث نهاية الأسبوع الماضي، علق فيه على قرار مجلس الأمن الداعم لخطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، قائلا إن المملكة “أرادت في جلسة الجمعة اغتنام هذه الفرصة للقيام بمرور بالقوة (…) لتمرير أهدافها التاريخية المعروفة والمتمثلة في القضاء على بعثة المينورسو، سواء من خلال تفكيكها وحلها أو من خلال تغيير جذري لعهدتها”، و “فرض مشروع الحكم الذاتي (…) كإطار وحيد وحصري للبحث عن حل للقضية الصحراوية”.
حسن بلوان، أستاذ باحث في العلاقات الدولية، قال: “يتضح أن الجزائر من خلال الخرجة الإعلامية لوزير خارجيتها، أصبحت أكثر من أي وقت مضى تبحث عن حلول من أجل الخروج من العزلة الدولية التي أقامت وحجزت نفسها فيها، في ظل التغيرات الجيو-سياسية التي طالت ملف الصحراء المغربية”.
وأضاف بلوان، في تصريح أن “الجزائر كانت قبل قرار مجلس الأمن تدعم أطروحة الانفصال وكيانا وهميا، لكن بعد اصطفاف المجتمع الدولي مع الشرعية القانونية والتاريخية للمملكة، التي تأكدت من خلال القرار التاريخي الأممي الذي انتصر للحكم الذاتي بالصحراء المغربية، وجدت نفسها معزولة عن الواقع”.
لذلك، يعتقد الباحث في العلاقات الدولية أن “الخرجات الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير خارجيته وعدد من الأبواق الإعلامية الجزائرية، تؤكد أن الجارة الشرقية للملكة أصبحت تبحث عن حلول رغم العنجهية الجزائرية”.
وفي هذا الصدد، استحضر بلوان “مجموعة من الوساطات التي تقوم بها دول عربية والولايات المتحدة الأمريكية”، مشيرا إلى أن “تصريحات وزير الخارجية الجزائرية تندرج في هذا السياق، وخاصة بعد مبادرات اليد الممدودة المتكررة من قبل الملك محمد السادس، التي لا تترك للجزائر مبررا للاستمرار في حالة الخلاف”. وزاد أن “تكرار هذه المبادرات وضع البلاد في مأزق، والآن الكرة في ملعبها؛ إما تنخرط في الشرعية الدولية وتنضبط لقرارات المجلس الأمن، أو تجد نفسها خارج التاريخ”.
سجّل محمد بنطلحة الدكالي، محلل سياسية أستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن “خرجة وزير الخارجية الجزائري بمثابة رقصة الديك المذبوح، وقد بيّنت مدى الارتجالية والعشوائية في اتخاذ القرار التي يتسم بها النظام العسكري الجزائري”.
وأورد الدكالي، في تصريح ، أن “الوزير الجزائري أثبت للعموم مدى فشل الدبلوماسية الجزائرية، محاولا التغطية والارتجال وادعاء أشياء غير ظاهرة في القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، من خلال القول بأن تقرير المصير مازال مطروحا، بينما المجتمع الدولي كله ينادي بالحكم الذاتي ويدعمه”، وتابع: “بصريح العبارة، أقر مجلس الأمن بأن الحكم الذاتي قد يكون الحل الأكثر جدوى”.
وشدد على أن الدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، “ما فتئت تمد يدها إلى النظام الجزائري”، لكن “المرور الإعلامي لوزير الخارجية الجزائري يكشف بالملموس أن هؤلاء لا يرديون أن يجنحوا للسلم، ولا يؤمنون بمخرج لا غالب ولا مغلوب”، مشددا على أنه “لا يصلح الحوار معهم في ظل هذا الوضع”.
وقال إن “الدبلوماسية الجزائرية انفعالية تؤمن برد الفعل، بحيث يصدرون قرارات انفعالية وهوجاء”، معتبرا أن “هذا ما أطال النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لمدة 50 سنة؛ لو كانت لديهم دبلوماسية واقعية، لتمّ تفعيل الحكم الذاتي منذ سنة 2007”. وأضاف أن الجزائريين “لا يدركون أن النظام الدولي الجديد لم يعد يستوعب دول ومحاور الشر، ويحاول التخلص من الأنظمة العسكرية التي تعيق الفعل الدبلوماسي”.
وباستحضار المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية، أوضح الدكالي أن “سيكولوجية شنقريحة-مثلا- تمنعه من أن يؤمن بمنطق لا غالب ولا مغلوب، فهو عسكري لا يؤمن إلا بلغة القوة والحرب، لكن مع ذلك ما زالت لدينا آمال في الأجيال المقبلة”.