معركتي من أجل الحقيقة والعدالة

ذِكرى والدي المرحوم الحاج ميلود الشعبي
سر رجلِ الانضباط والإيمان والعمل الدؤوب، بنى بيديه عملاً اقتصادياً واجتماعياً في خدمة المغرب وملكه، آمن دائماً أنّ النجاح لا قيمة له إن لم ينفع الآخرين.
منذ رحيله، رأيت ما بناه يَتَهَدَّم ويتفكك، و القيم التي كان يومن بها – الصدق، والتضامن، والكرامة – تُستبدل بالكذب والمصلحة الشخصية.
هذا الكتاب ليس شكاية، ولكنه شهادة.
لا أبحث عن تصفية حسابات ولا عن البكاء على إرث، بل أتمنى أن تُستعاد الحقيقة، وأن يُعرَف ما آل إليه عملُ رجلٍ لم يخُن يوماً، وأن تُصان ذاكرة والدي من التحريف والنسيان.
النَّفَس الأخير لمُقاوِلٍ كَبير
في 16 أبريل 2016، رحل والدي عن الدنيا، فقد المغرب في ذلك اليوم واحداً من كبار مُقاوليه. أتذكّر ذلك الصمت الثقيل الذي أعقب الخبر؛ في المصانع، وفي المكاتب، وفي بيوت آلاف الأسر، وما عرفه من صدمة وحزن، بعدما ترك وراءه نحو 25 ألف أسرة عاملة، ومجموعةً صناعية وتجارية واجتماعية منتشرة في ربوع المملكة.
وكان قبل كل شيء نموذجاً لرجلٍ انطلق من لا شيء، وصار رمزاً لنجاح شريف ونزيه.
كنت أعتقد أنّ هذا البناء المتين، المؤطَّر بالقانون وبِرجال ثقة، سيستمر بشكل طبيعي، وكما كان بعد رحيل مؤسِّسه، لكنني كنت مخطئاً، بعدما اختلّت التوازنات سريعاً، ذلك أنه ومنذ الأسابيع الأولى، ظهرت التوترات والطموحات غيرالمشروعة والمناورات؛ و ما كان ينبغي أن يكون فترةَ ترحُّمٍ، تحوّل إلى صراعٍ على النفوذ، وأخذ معنى «الإرث» مسار مُشوَّهاً.
ظلّ الرئاسة
بعد الوفاة بوقتٍ قصير، تم تنصيب السيدة تجموعتي، أرملة والدي، ووالدتي، على رأس مجموعة ينا القابضة دون احترام للإجراءات القانونية، ولا مصادقة من مجلس الورثة؛ وكان الاتفاق المعلن: «ثلاثة أشهر فقط»، فتحوّل ذلك عملياً إلى تحكّمٍ كامل من طرف دائرة ضيقة حول الرئاسة.
المشكلة ليست قانونيةً فقط، بل هي أيضاً مسألةُ كفاءة: فالسيدة تجموعتي لا تقرأ ولا تكتب بالفرنسية، مع أن معظم العقود والقرارات والجداول المالية والتقارير تُحرَّر بهذه اللغة؛ وهي توقّع دون أن تفهم، ومن يوجدون خلفها هم الذين يقرّرون مكانها، ويستغلونه وضعيتها لتمرير القرارات باسمها.
تشكّل تكتّلٌ ضيّق منذ الأيام الأولى بعد الوفاة: فوزي، وعمر مكلفان بالداخل، وفَيْصَل الذي تولّى كل ما يتعلق بخارج الوطن، ومعهم الكاتبة كَرّومي التي أصبحت بحكم الأمر الواقع المتحدّثة باسم والدتي والمتحكمة في الوثائق والتعليمات. كرّومي هي التي تتحدّث وتوقّع وتقرّر باسم الرئيسة، وعبرها تمرّ التعليمات والتقارير والاستدعاءات وقرارات التسيير، وقد جرى تزويرُ محاضرِ اجتماعات، وتمزيقُ أوراق الحضور، وإصدارُ استدعاءاتٍ مُؤرَّخةٍ بأثرٍ رجعي وإجراء قسمة غير قانونية للأسهم دون جرد ودون اتفاق، فاستولى هذا التكتل على القرار الشامل.
السيدة تجموعتي، كبيرةُ السن ومحدودةُ التعليم الذي اكتسبته في المدارس العربية خلال أربعينيات القرن الماضي، توقّع على وثائق لا تفهمها، ويستغلّ المقرّبون منها ذلك لِيُحمّلوها لاحقاً مسؤوليةَ أفعالٍ تجهل تماماً أبعادَها القانونيةَ والمالية، ويُروى أن بعضهم كان يطمئنها بأنها تستطيع توقيع أيّ شيءٍ وأنها لن تُسأل قانونياً بسبب تقدُّمها في السن.
هذا التنظيم الموازي أتاح لهذا التكتّل أن يسيطر في الخفاء على جميع الشركات، وجميع المجالس، وجميع الحسابات؛ فعُزل باقي الورثة، ومُنِعَ تداولُ أيِّ معلومة، وأُحكِم إقفالُ أبواب الوصول إلى الوثائق.
السيدة تجموعتي، من دون تكوين مناسب، ومجرّدة من الكفاءات والخبرة اللازمة، توقّع على ما يُعرَض عليها، وغالباً ما تكون وثائق مكتوبة بالفرنسية، وهي لغة لا تفهمها.
وهكذا فُرض على المجموعة التي أسّسها والدي نفوذٌ واقعيّ غير قانونيّ: نفوذٌ لا يمارسه مسؤولون شرعيون، بل يمارسه دائرة ضيّقة من بعض الورثة وبعض المقرّبين الذين يستغلّون اسمه وصورته لخدمة مصالحهم الخاصة.
الخزانة الحديدية
بعد الوفاة بأيام قليلة، وقع حدثٌ بالغُ الخطورة: فقد تم فتح الخزانة الحديدية الشخصية لوالدي، الموجودة في غرفة نومه، بطريقةٍ غير معتادة.
كانت هذه الخزانة تحتوي على وثائق سرّية، وملفّاتٍ بنكية، وعقودٍ، وسنداتٍ ذات قيمة، ولا أعرف إلى اليوم محتواها كاملاً بكل دقة.
الشخص الذي فتح الخزانة نبّهني في حينه، ونصحني بإبلاغ الشرطة، و لكنني لم أفعل، خوفاً من التبعات واحتراماً لروح والدي، وأنا نادمٌ على ذلك اليوم أشدَّ الندم.
وإلى اليوم، لم يُنجَز أيُّ جردٍ شاملٍ للإرث، لا في المغرب ولا في الخارج؛ ولا تزال حساباتٌ بنكيةٌ باسم والدي مفقودةَ الأثر، في المغرب كما في الخارج، كما أنّ سنداتٍ اسميةً للخزينة، ذات قيمةٍ مهمة، لم تُسترجَع بعد، وقد أُنجزت تحويلاتٌ مشبوهة في عدّة بنوكٍ مباشرةً قبل الوفاة و بعدها.
لقد واجهتني مؤسّساتٌ ماليةٌ بتعقيداتٍ كبيرة حين حاولتُ الحصول على معلوماتٍ حول الحسابات العائدة لوالدي، وألزمتني باللجوء إلى القضاء للحصول على الوثائق، وما تزال المعلومات ناقصة مع استمرار التعليل بضرورة المرور عبر المحكمة.
لقد آلمَني وأحزنني هذا السلوك ، نظراً لعلاقات الاحترام والودّ التي كانت تربط والدي الراحل بهذه المؤسّسات، وأفضّل أن اعتبر هذا النقص في التعاون يعود إلى إرادةٍ شخصية، وأكثرَ إلى تأثيراتٍ سيّئة، أو نصائحَ منحازة، أو معلوماتٍ مغلوطةٍ يقدّمها أشخاصٌ سيّئو النيّة؛ ومع ذلك ما زلتُ أُعلِّق الأمل على أن ينتصر المنطق في النهاية، فوالدي كان دائماً رجلَ كلمةٍ وثقة، وفيّاً لالتزاماته كما لشركائه. ويبدو أن بعضهم اليوم ربما يفرحون لرؤية العمل الذي بناه يضعف، لكن ليتذكّروا أن عظمة الرجل تُقاس بما يتركه من أثر، وبنزاهته ووفائه لبلده وملكه.
مجلسُ إدارةٍ مُصادَر
بقيتُ عضواً في مجلس الإدارة، بدون حقيبة؛ عضوية شكليةَ، وتحولت اجتماعاتُ المجلس إلى جلساتٍ شكليةٍ صِرفة.
في 31 أكتوبر 2024 تم انعقاد اجتماع لمجلس الإدارة عن بُعد، دون نصابٍ قانونيٍّ، ومن دون تقديمِ أيّ تفويضٍ رسميّ، ورغم ذلك صدر عنه محضرٌ مُزَوَّر يعيّن السيدة تجموعتي رئيسةً مديرةً عامة، وقد صادق عليه مراقبو الحسابات الحاضرون، مع أنّ التفويض لم يُودَع لدى كتابة الضبط بالمحكمة المختصة.
كما تم تعديل الأنظمةُ الأساسية دون توفّر النصاب، للسماح بالاجتماعات عن بُعد بحجّة أن الرئيسة متقدّمةٌ في السن ومتعبة، ولا تستطيع التنقّل بسهولة.
لكن في الواقع، أصبحت هذه الاجتماعات عن بُعد أداةً للتحكّم: لا أتمكّن من الاطلاع على الوثائق، وتتم مقاطعتي كلما طرحتُ سؤالاً، وتُمرَّر القرارات مباشرةً إلى التصويت من دون نقاش، ولا يُحتفَظ بأيّ أثرٍ حقيقيٍّ للنقاشات؛ فلم يعُد المجلس سوى جلسةٍ للتصويت، تتّخذ فيها مجموعةٌ صغيرةٌ من الأقليّة كلَّ القرارات.
وهذا التكتّل نفسُه هو الذي سمح للسيدة تجموعتي بتقديم كفالاتٍ باسم المجموعة القابضة لدى البنوك، بقيمةٍ تصل إلى 1.4 مليار درهم، وهي تُوقّع هذه الالتزامات من دون أن تُدرك حجمَ المخاطر، في حين أنّ المجموعة تعيش اليوم على الدَّين وحده: لا أرباح، ولا توزيعات، ولا سيولة؛ بل شركاتٌ تعيش تحت «جهازِ تنفّسٍ اصطناعي»، بعد أن كان كل شيء في زمن والدي مبنياً على التمويل الذاتي، والحذر، والانضباط.
طلبتُ توضيحات، فمُنع عني أيُّ وصولٍ إلى العقود وأيُّ وثيقة، وطلبتُ أن ينضمّ أبنائي – وهم جميعاً مهندسون متخرّجون من أرقى الجامعات – إلى مجموعة جدّهم للمشاركة في إنقاذها، في وقتٍ نعاني فيه من نقصٍ حادٍّ في الأطر، فجاءني جوابُها بالرفض، خوفاً من أن يُطلعوني على حجم الكارثة فأذهبَ بها إلى القضاء.
ويا للأسف، وراء السيدة تجموعتي، فوزي وعمر هما من يقرّران، مع ضعفهما الصحّي المعروف داخل الأسرة؛ وهذه الهشاشةُ الظاهرة لا تمكّنهما من تحمّل مسؤولية إدارة مجموعةٍ بهذه الضخامة تحمّلاً كاملاً، وبات مصيرُ 25 ألف أسرةٍ عاملةٍ في ظلّ هذه الوضعية.
نداءٌ العقل
أمام هذه الوضعية، بحثتُ عن حلولٍ سلمية؛ فاقترحتُ تعيينَ السيد محمد العراقي، المدير العام السابق لـ SNEP، الذي جعل منها إحدى قلاع الصناعة الكيماوية بالمغرب، وهو مهندسٌ خريج École Centrale de Paris ورجلُ ذوخبرةٍ كبيرةٍ واستقامةٍ عالية، وقامةٌ مهنيةٌ وقمة في العطاء والحكامة.
لقد كان نموذجَا مثاليا بما يتميز به من حياد، وكفاءة واحترام وتقدير، وكان من شأن تعيينه أن يضمن الاستقرار، لكن تمّ رفضه مرتين: المرّة الأولى في جوٍّ عنيف، إذ تعرّضتُ لاعتداءٍ جسديّ لمجرّد أنني دافعتُ عن هذا الاقتراح، حيث رشقَني عمر بإبريق شاي ساخن في وجهي، ولولا تدخّلُ بعض الحاضرين في اللحظة الأخيرة لتحوّل الأمر إلى كارثة؛ أمّا المرّة الثانية، فبعد أن كنّا متّفقين على تعيينه، تراجعوا عن وعدهم بحجّة السن: «إنه مسنّ جدّاً»كما قالت لي السيدة تجموعتي، فأجبتُها بأنّه لا توجد في الواقع أيُّ فوارق حقيقيةٍ في السن بيننا وبينه، بل قلت لها: «أنتِ أكبرُ منه سِنّاً بكثير»، وذكّرتُ بأنّ تجربته وحكمتَه وكفاءتَه هي بالذات ما تجعل منه عنصراً لا يُعوَّض.
بعد ذلك، اقترحتُ وضعَ المجموعة تحت الحراسة القضائية، حتى يُعيِّن القضاءُ مُسيّراً محايداً يتولّى ضمان الاستمرارية والشفافية؛ وهي آليةُ حمايةٍ كلاسيكية كان من شأنها أن تُثبِّت الأصول وتُحصِّنها إلى أن تُسوَّى قضايا الإرث، لكنّ الرد كان مرةً أخرى رفضاً قاطعاً، لأنّ كلَّ شيءٍ عندهم قائمٌ على الفوضى: فإذا دخل النور ظهرت الحقيقة.
خطواتٌ مؤسّساتية
أمام خطورة الوضع، وانسداد الأفق داخل المجموعة، وجّهتُ مراسلاتٍ رسمية إلى أعلى السلطات والهيئات المختصة في المغرب، لإخبارها بما يجري، وتنبيهها إلى المخاطر الكبيرة التي تُهدِّد مستقبل المجموعة، بهدف البحث عن حماية، وآذان صاغية لإنقاذ ما يمكن انقاذه؛ وأوضحتُ أن والدتي وُضِعت على رأس المجموعة القابضة من دون أن تتوفر على الكفاءات الضرورية، وأن آلاف مناصب الشغل أصبحت مهددة، وأن عملاً بُني خلال عقود أصبح اليوم في خطر.
كانت غايتي قبل كل شيء: حماية العمل الذي قام به والدي وصون ذاكرة رجل ظل شديد التعلق بخدمة وطنه وملكه ، وإنقاذ آلاف الأسر من وضعية اللايقين.
كما طالبتُ بإرساء حكامة محايدة، شفافة، ومطابقة للقانون.
GHARB PAPIER CARTON.GPC
من أبرز الانحرافات التي شهدتها المجموعة قضية شركة RAD PAPIER CARTON (GPC)، التي تُجسِّد بشكل واضح حجم الاختلال، ذلك انه في سنة 2015، وتحت رئاسة والدي، تمّت زيادة رأس المال الشركة بنسبة 65% بشكل قانوني، وتم الاكتتاب فيها بالكامل باسمه، وسُجِّلت وفقاً للقانون.
لكن في يناير 2024، أُلغِيَت هذه الزيادة بناء على محضر مزوّر، وقّعه مسيّرون من دون أي تفويض، وصادق عليه مراقبان للحسابات بحضورهما.
وبعد أشهر قليلة، تم اطلاق مشروع إدراج الشركة في البورصة اعتماداً على رأسمال مُعدَّل بشكل غير قانوني، حيث قدّمتُ اعتراضاً رسمياً إلى السيدة تجموعتي، ندّدت فيه بالتزوير، وعدم توفر النصاب القانوني وطلبتُ التعليق الفوري لأي عملية إدراج.
كما أخبرتُ الهيئة المغربية لسوق الرساميل AMMC، والبنك المستشار، وعرضتُ الملف على القضاء.
لم يكن هذا المشروع في الحقيقة سوى محاولة لـ « تبييض داخلي »، بهدف إضفاء الشرعية على سلب الحقوق.
تشعبات دولية
امتدّ منطق التدبير نفسه إلى ما وراء الحدود؛ ففي فرنسا، قامت السيدة تجموعتي وفوزي ببيع ملك عقاري قُدِّرت قيمتُه بين 20 و70 مليون يورو، بثمنٍ لا يتجاوز 3 ملايين يورو، من دون أيّ جمعٍ عام، ومن دون استدعاءٍ قانونيّ، ومن دون تقييمٍ مستقل، والقضية اليوم معروضةٌ على القضاء، وقد أُبرمت هذه الصفقةُ البخسة في غيابٍ تامٍّ للشفافية.
وفي لوكسمبورغ، توجد شركةٌ تحتضن استثماراتٍ دوليةً صرّح بها والدي الراحل بانتظامٍ سنة 2014 في إطار التصريح بالمساهمة الإبرائية.
وفي أبريل 2016، قبل وفاته بأيام، وفي الوقت الذي كان فيه بالمستشفى وفي غيبوبة، تمّ إجراءُ تحويلاتٍ ماليةٍ كبيرةٍ نحو شركاتٍ واجهة، كما تمّ تحويل مجموع الأصول، وقد وُضعت شكايةٌ جنائيةٌ في الموضوع، وعيَّن القضاءُ مُسيّراً مؤقّتاً، إلا أنّ التحقيق يتقدّم ببطءٍ شديد، وفي الأثناء حاول عمر الحصول على أمرٍ قضائيٍّ بإعطاء الصيغة التنفيذية لوثيقةٍ إرثيةٍ مغربية عُرِضت كما لو كانت حكماً قضائياً، من أجل تنفيذ قسمةٍ وتكرار السيناريو نفسه في الخارج كما حدث في المغرب.
في كل مكان، يتكرر السيناريو ذاته: أصولٌ تُنقَل خارج الإطار القانوني، وتوقيعاتٌ تُستغَلّ في غير محلّها، وصمتٌ يُستَخدَم كمنهج.
المؤسّسة الخيرية: القلب المَجْرُوح
حتى مؤسسة الحاج ميلود الشعبي للأعمال الاجتماعية، ذات المنفعة العامة، التي أُنشئت لتجسيد الوجه الإنساني لوالدي، لم تسلم من الانحراف؛ فقد تحوّلت إلى أداةٍ ماليةٍ موازية، تستقبل وتوزّع الأموال خارج أيِّ إطارٍ قانونيٍّ واضح حيث تمت تحويلات مالية مهمة من شركات تابعة للمجموعة الى هذه المؤسسة،وتم توزيع مبالغ نقدية كبيرة دون وصولات، وتم اقتناء عقارات دون موافقة الشركاء ولا مداولات نظامية،وهذا يعني خلط خطير بين حسابات الشركات وحسابات المؤسّسةالخيرية، وكل شيءيمر بدون مراقبة ولا تدقيق ولا تاطير على مستوى التسيير والإدارة المالية ولا سجلات منتظمة؛ وما كان ينبغي أن يوجه الى الفئات المستهدفة تحول إلى اداة تدبير موازية.
هذا هو الجرح الأكثر والاشد إيلاماً بالنسبة لي عندما أرى رمزَ سخاء والدي يُشوَّه على يد من لا يزالون يتحدّثون باسمه، وأنا الذي رأيتُ والدي طوال حياته يُلِحّ على النزاهة والشفافية والصرامة كلّما تعلّق الأمر بالمصلحة العامة.
اللجوء إلى القضاء
لقد اخترتُ طريقَ القانون؛ ففي المغرب، وضعتُ شكايةً من أجل خيانة الأمانة وسوء التسيير ضد فوزي، لفحص العمليات المنجَزة داخل مجموعة يـنّـا القابضة، وأسواق السلام، وبعض الفروع الأخرى، وكذلك المؤسّسةالخيرية، وقد عيّن القضاء خبيراً مُحلَّفاً للتدقيق في الحسابات وإظهار الحقيقة.
وفي فرنسا ولوكسمبورغ، تسير المساطرُ القضائية في مسارها، كما راسلتُ مكتبَ الصرف، وسأراسِل قريباً ادارة الجمارك، أمّا بخصوص GPC ، فقد لجأت الى الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC) ، والى القضاء لضمان الشفافية واحترام القانون.
الوفاءُ والحقيقة
هذه المعركة ليست خصومةً بين ورثة بل إنّها معركةٌ أخلاقية؛ لا أطالب بنصيب من الارث، بل أطالب بالعدالة والشفافية، وبحوكمةٍ سليمةٍ داخل مجموعتنا، وأتمنى أن يبقى اسمُ والدي الراحل، الحاج ميلود الشعبي، كما كان دائماً: رمزاً لمغربٍ يؤمن بالاستقامة والعمل الجادّ.
ما أدافع عنه هو إرثٌ من القيم، لا إرثُ ثروةٍ ومال، وهذه المعركة ليست شخصيةً فحسب، بقدر ما تهم 25 ألف أسرةٍ عاملة تعتمد على هذه المجموعة المهجورة، وتعيش اليوم في وضعية اللايقين المطلق.
وخلف هذه القضايا القضائية، تدور معركة أخلاقية، معركة الوفاء لروح رجل ضحى من اجل وطنه وملكه،ويستحق ان يصان عمله حفاظا على مستقبل الآلاف من الاسر.
لأنّ الصمت تواطؤ، ولأنّ الحقيقة وحدها لا تموت.




