ثقافة

مساهمة نقدية.. العقل يؤسس للنهضة الفلسفية المغربية

ذ. محمد بالقاضي/التحدي الافريقي

لو حاولنا ربط مشروع نهضة المغرب العلمية والفكرية ،فسيكون ذلك مقترنا بتلك الروح الإنسانية التي هبت كيقظة علمية باذخة عرفتها الروح اليونانية،فبرز فيلسوف يدعى إقليدس من ميغارا( تمييزا له عن إقليدس السكندري المهتم بالرياضيات) ليضع أسس المنطق من خلال ثلاث كلمات أحدثت ثورة في مستقبل الإنسان الفلسفي والعلمي.

هذه الكلمات هي: و – أو – ليس.

ومن هذه الكلمات تركب القضايا في النقاشات الفلسفية. فلو أخذنا مثلا:الأرض كروية الشكل،بإضافة ليس نحصل على نقيضها.

ولو قلنا فلان عاقل – فلان مجنون،ثم ركبناهما:فلان عاقل ومجنون تكون قضية متناقضة…..وهكذا.

هذه البساطة المذهلة في التفكير هي التي أوحت لأرسطو بصياغة منطق صارم بقضايا تركيبية وصله صداها من المدرسة الأيلية وماتداول من نقاش حول الواحد والحركة والسكون في تعارض مع الهيراقليطيين أنصار التغير أو الصيرورة.

عندما يتعقل العقل ذاته عند إنسان المغرب، وتبدأ الحركة التنويرية فلاشيء يمكنه وقف التدفق الإنساني.

وهو مايحتم التخلص من خرافات الجهل والغيب، التي تكبل العقل وتمنعه من تطوير مناهج بحثه.

كما أن تلك الزيجة الهجينة العرفية بين الدين والسياسة تجعل بروز تفكير علمي محرر للإنسان، في المغرب، يتطلب جهدا إبستمولوجيا يعاود النظر في المسلمات العلمية،بأن يؤسس على صعيد مبادئ التفكير لمنطق جديد ذي صلة مع منطق اليونان، و يجد على صعيد دراسة الطبيعة البديل لمفهوم الذرة الفيزيائي الذي يطرح على الدوام مشكلتي الفراغ والحركة.

إن مشكلتي الفراغ والحركة تبقيان على الدوام إشكاليتين تفرضان نفسهما على العقل هكذا مقترنتين في مختلف الحضارات، وعلى مر العصور.

فقدتطرح مشكلة “الفراغ”نفسها بحدة في الفيزياء.

فهل العالم كتلة صماء بلاحركة، أو هو الواحد بلغة بارميندس؟ أم أنه في تغير دائم بلغة هيراقليطس؟

لو قلنا أن الفراغ موجود فكيف تتحرك الكواكب والأشياء عموما؟ هل بجاذبية نيوتن التي لاتوضح لنا كيف يجذب جسم جسما آخر في الفراغ؟ أم أن المجال الكهروميغناطيسي لماكسويل يحل الإشكال؟

لكن المجال الكهروميغناطيسي لماكسويل يعيدنا لقول بارميندس بالعالم ككتلة واحدة صماء لاحركة فيها؟

إينشتاين يقول بالمكان المتموج أي الذي يأخذ شكل الجسم الموضوع فيه، في شبه الكون بقطعة قماش،ولكنه هنا يلغي الفراغ.

إن السؤال الذي يظل محيرا هو: كيف للموجود أن يتحرك في الفراغ الذي هو عدم؟وإذا كان الفراغ ليس عدما فكيف للشيء أن يتحرك دون مكان خال أو فارغ؟

إشكالية مقلقة ومحفزة للعقل البشري.

ابتدأت مع الفلسفة اليونانية، ولازالت تفرض نفسها على الحركتين العلمية والفلسفية.

فكل شيء تم بما يشبه تداخلا كوانتيا، حوالي القرن السادس قبل الميلاد، حيث ظهر فيلسوف تتلمذ على يد كهنة آمون في مصر، وعلى يد الفيلسوف العاري في الهند، إنه فيتاغورس.

رجل سيقول بأن الأعداد تحكم العالم وإن كانت حركته قد اتخذت طابعا صوفيا يقول بتناسخ الأرواح، ويحفظ الأسرار التي لاينبغي أن تسرب خارج حلقة روادها، وإن كان المتأخرون من الأتباع سيربطونها بالعقيدة الأورفية التي جاءت كرد فعل تعففي على صخب الديونيزوسية.

لوقيبوس سيكون تلميذا لهذه الحركة إلا أنه سيطلع على مبادئ المدرسة الأيلية من خلال التتلمذ على يد زينون الأيلي، وهناك سيدرك ورطة الواحد عند بارميندس، والسكون عند زينون، لذلك سيعوض مفهوم النهاية بفمهوم اللانهاية متحدثا عن حركة الجواهر المفردة المادية، والتي ستكون هي الذرات عند تلميذه ديموقريطس.

مع ديموقريطس ستكتمل نظرية الذرات، وسيظهر تفسير للكون يقول أنه نتج عن دوامة حدثت بفعل ثقل الذرات، وكلما زاد الثقل تكونت أجسام.

لتصل النظرية ذروتها مع أبيقور الذي يقول بأن النفس قوامها ذرات وهي تتخلل المادة،وعند تحلل ذرات النفس تنفصل عن المادة فيكون الموت، فليس ثمة إذن خلود شخصي بعده.

ولأسباب تتعلق بتزاوج اللاهوت المسيحي والسياسة، ستهجر نظرية الذرات،ولن تعود لها الحياة إلا مع ليبنتز في القرن 17 عندما تحدث عن المونادات كجواهر لامادية للعالم وهي ليست مخلوقة، ثم وصل بها لامتري القمة عندما أنكر وجود مادة ونفس في العالم، مؤكدا أن حركة المادة من ذاتها وهي الوحيدة في العالم وليس ثمة نفس مطلقا.

طبعا عندما وضع آينشتين معادلته الشهيرة: M=E.c.c، أي تتولد طاقة عندما يتحرك جسم ما بسرعة هي مربع سرعة الضوء، كانت المادية تعبد للإنسان السيطرة على الطبيعة ولم يتبق له سوى القضاء على غباء السياسيين، الذين لاسبيل أمامهم لنهب الثروة سوى توظيف الدين، وإن كانت مقولاته تبدو اليوم أحجيات مسلية لا يلتفت إليها العقل المشغول بفك تاريخ الذرات التي في رجحانيتها تمتد العوالم إلى مالانهاية، والتي يمكن فيها ترتيب العلاقة بين البروتونات والإلكترونات المغيرة لمداراتها الإهليليجية، دونما اكتراث بخزعبلات لايرى فيها العقل ذاته فقط.

ألم نقل سابقا أن مشروع نهضة العقل الإنساني في المغرب يمر عبر تفكير منطقي في بديل لمفهوم “الذرة” الفيزيائي كما نحتته حضارة الإنسان في الغرب؟ معتقدين أن البديل يمر عبر البحثين الرياضي والفيزيائي وليس خارجهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى