في خضم الحديث عن الهجرة والاندماج، تظل فئة القاصرين المغاربة غير المصحوبين في إسبانيا من أكثر الفئات عرضة للتهميش، خصوصًا داخل مراكز الإيواء، حيث يعيش المئات منهم في ظروف لا تضمن الحد الأدنى من الرعاية النفسية، ولا تحفظ لهم هويتهم الدينية والثقافية.
هؤلاء الأطفال والمراهقون، الذين غادروا المغرب في سن مبكرة، وجدوا أنفسهم في بيئة غريبة لا تحتضنهم فعليًا، ولا تُوفر لهم ما يعزز توازنهم النفسي والاجتماعي، ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع التهميش، والانقطاع عن الأصل، وفقدان الانتماء.
أغلب هذه المراكز لا تقدم أي دعم ديني أو ثقافي موجه لهؤلاء القاصرين، فلا دروس عربية، ولا أنشطة تثقيفية تربطهم بثقافتهم الأصلية، ولا وجود لأي مرافقة روحية تواكب احتياجاتهم.
مع مرور الوقت، يبدأ هؤلاء الأطفال في فقدان لغتهم الأم، ونسيان تقاليدهم، والانجراف نحو ثقافة لا تتماهى دائمًا مع قيمهم الأصلية، وهو ما يترك آثارًا عميقة على سلوكهم وتوازنهم الشخصي.
من بين أبرز المظاهر التي تُعبّر عن هذا الإهمال، عدم توفير وجبات حلال داخل مراكز الإيواء.
و يُضطر كثير من القاصرين إلى الاكتفاء بالخبز والفواكه لتفادي اللحوم غير المطابقة للشريعة الإسلامية، فيما يضطر بعضهم، جهلًا أو تحت ضغط الظروف، إلى تناول لحم الخنزير ومشتقاته دون أن يُدركوا ذلك، أو لعدم وجود بديل.
هذا الوضع لا يمس فقط بقناعاتهم الدينية، بل يبعث برسالة واضحة بأن خصوصياتهم الثقافية لا تؤخذ بعين الاعتبار، ما يزيد من شعورهم بالعزلة وفقدان الهوية.
أمام هذا الواقع، تطرح أسئلة مشروعة:
أين هي الجمعيات الثقافية والدينية؟
أين هو التنسيق مع الفاعلين المغاربة في المجتمع المدني؟
وأين هو مجلس الجالية المغربية بالخارج من هذا الملف، الذي يمس مستقبل شريحة كاملة من شباب الوطن؟
هؤلاء القاصرون ليسوا أرقامًا في مراكز إيواء، بل أفراد يحتاجون إلى تأطير نفسي، دعم لغوي، وبيئة تحفظ كرامتهم وهويتهم، لا مجرد سقف ومكان للنوم. فإذا كنا نطمح إلى جالية مندمجة ومتصلة بجذورها، فلا يمكن أن نبدأ بتجاهل أطفالها.
القاصر المغربي في إسبانيا يحتاج أكثر من مجرد رعاية إدارية، يحتاج إلى من يراه، يسمعه، ويحمي هويته من الذوبان أو الضياع.فهل نتركه ليتحول إلى رقم ضائع في مجتمعات غريبة؟
أم نتحرك، قبل فوات الأوان، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كرامة وهوية جيل بأكمله