المستجدات الوطنية

مدى دستورية المادة 13 من القانون التنظيمي للإضراب

طبقا للمادة 21 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، يحيل رئيس الحكومة على الفور القوانين التنظيمية التي أقرها البرلمان، بصفة نهائية، إلى المحكمة الدستورية، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، قصد البت في مطابقتها للدستور.

وفي هذا الإطار، ينتظر أن تتم إحالة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب على المحكمة الدستورية بعدما تمت المصادقة عليه من طرف مجلس المستشارين يوم الاثنين 3 فبراير الجاري.

وإذا كان الإضراب حق مكفول بمقتضى الفصل 29 من الدستور الذي أكد على أن: “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.

حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”.

فإن من شأن ما جاءت به المادة 13 من مشروع القانون التنظيمي للإضراب، أن تفرغ مضمون هذا الحق من دستوريته المكفولة، عندما نصت في فقراتها الموالية على ما يلي: ” … غير أنه يجوز للمرفق العمومي أو المقاولة أو المؤسسة، في حالة رفض العمال المكلفين:

-بتوفير حد أدنى من الخدمة لأداء المهام المسندة إليهم في المرافق الحيوية طبقا لأحكام المادة 21 من هذا القانون التنظيمي، إحلال عمال آخرين محل العمال المكلفين بتوفير حد أدنى من الخدمة، وذلك خلال مدة سريان الإضراب.

-بالسهر على ضمان استمرار الأنشطة الضرورية لتفادي إتلاف الممتلكات والتجهيزات … إحلال عمال آخرين محل العمال المكلفين بضمان استمرار الأنشطة المشار إليها في هذا البند، وذلك خلال مدة سريان الإضراب.

في حالة تأثير ممارسة حق الإضراب على تزويد السوق بالمواد والأنشطة الضرورية اللازمة لحماية حياة المواطنين وصحتهم وسلامتهم، بناء على قرار السلطة المعنية، يمكن الاستعانة فورا بعمال آخرين لتأمين استمرار نشاط المقاولة أو المؤسسة أو المهنة أو المرفق العمومي المعني في تقديم خدماتها خلال مدة سريان الإضراب.

وفي حالة تعذر ذلك، أمكن للسلطات المحلية المختصة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان استمرار نشاط المقاولة أو المؤسسة أو المهنة أو المرفق العمومي، وذلك على مسؤولية ونفقة الجهة التي تم ضمان استمرار نشاطها”.

ذلك أن الغاية من الإضراب هي الضغط كحل أخير يأتي بعد أن تستعصي محاولات الحوار والوساطة ويكون من شأنه أن يشل حركة القطاع المعني، مما يكون معه إحلال عمال أو موظفين آخرين لا يستقيم مع ممارسة الإضراب كحق دستوري، إذ لا سبيل للتحجج باستمرارية المرفق العمومي كحق دستوري والذي أكدته الفقرة الأولى من الفصل 154 من الدستور بقولها: “يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات.” على اعتبار أن حيوية المرافق العمومية هي مكفولة بمقتضى القوانين الخصوصية التي تمت الإشارة إليها في المادة الرابعة من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة الرابعة المشار إليها على عدم سريان النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على بعض القطاعات كما يلي: “إلا أنه لا يطبق على رجال القضاء والعسكريين التابعين للقوات المسلحة الملكية ومهنيي الصحة، ولا على هيئة المتصرفين بوزارة الداخلية. وفيما يخص أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي ورجال التعليم والهيئات المكلفة بالتفتيش العام للمالية وموظفي هيئة كتابة الضبط بقطاع العدل وأعوان الشرطة وإدارة السجون ورجال المطافئ وأعوان المصلحة العامة بإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة والمفتشين والمراقبين والحراس بالبحرية التجارية وضباط الموانئ وموظفي المنارات وموظفي المياه والغابات، فان قوانين أساسية خصوصية يمكنها أن تأتي بمخالفات لبعض مقتضيات هذا النظام الأساسي التي لا تتفق والتزامات تلك الهيئات أو المصالح”.

وبالتالي يكون ضمان استمرار المرفق الحيوي كفيل بالنص عليه ضمن نظام أساسي خاص، مثلما سبق لإدارة الجمارك أن سنته، وإن كان ذلك مخالفا لمقتضيات المادة الرابعة أعلاه، التي جعلت سن النظام الأساسي حكرا على أعوان المصلحة العامة لإدارة الجمارك أي الأعوان الضباط ACTIF وليس الموظفين المدنيين أمثال مفتشي الجمارك.

كما أن تراتبية النص الدستوري تستدعي تقديم النصوص الخصوصية من منطلق قاعدة الخاص يقيد العام، فيكون حق الإضراب مكفول بمعناه الذي يفيد ورقة الضغط في تحقيق المطالب والحفاظ على المكتسبات دون تعارض مع استمرار المرافق الحيوية على النحو الذي سبق توضيحه أعلاه.

تبقى الإشارة إلى ضرورة الالتفات للفصل 288 من مجموعة القانون الجنائي إما بتعديله بحذف عبارة “متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور … ” حتى يفهم من ذلك إعاقة العمل من طرف الغير الخارج عن نطاق العمال أو الموظفين، وإما بحذفه والاكتفاء بالعقوبة المقررة ضمن القانون التنظيمي للإضراب والتي تستقيم مع تأديب هيئة المضربين بغير حق من العمال والموظفين من حيث العقوبات المالية التي أقرها بدل العقوبات الحبسية المقررة في الفصل 288 من القانون الجنائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى