أراء وأفكار وتحليل

قد يتحول النفوذ الإداري إلى أداة للإيداء: أي حماية للكرامة المهنية داخل المؤسسات الوطنية؟

بقلم: سيداتي بيدا/التحدي الإفريقي

في زمن ترفع فيه شعارات الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، يظل الشطط في استعمال السلطة أحد أخطر الأعطاب التي تنخر جسد الإدارة، لما يخلفه من أذى نفسي ومهني، وتهديد مباشر لقيم العدالة والإنصاف داخل المؤسسات.

 ويزداد هذا الخطر حدة حين يكون المستهدف موظفة مشهود لها بالكفاءة والاستقامة، أفنت زهرة عمرها في خدمة مؤسسة وطنية بكل إخلاص وتفانٍ.

تعود هذه الواقعة إلى ما تتعرض له موظفة مغربية صحراوية مجدة، راكمت تجربة مهنية تجاوزت خمسة وعشرين عامًا داخل شركة الخطوط الملكية المغربية، وتدرجت بجدارة إلى أن تقلدت منصبًا مسؤولًا بمدينة العيون.

مسار مهني ناصع، بني على العمل الجاد والانضباط والالتزام، قبل أن يتحول، بشكل مفاجئ، إلى ساحة استهداف ممنهج، عنوانه التضييق، الإهانة، والعنف المعنوي، في خرق سافر لأبسط قواعد التدبير الإداري السليم.

إن أخطر ما في هذه القضية ليس فقط الأذى الذي لحق بالموظفة المعنية، بل ما تكشفه من ممارسات تمس جوهر دولة المؤسسات: شطط في استعمال السلطة، تعسف إداري، ونَفَس إقصائي لا يمكن فصله عن مظاهر التمييز والعنصرية المرفوضة أخلاقيًا وقانونيًا.

 فحين يستغل مسؤول موقعه الوظيفي لتصفية حسابات أو فرض منطق الإذلال، فإنه لا يسيء فقط إلى الضحية، بل يسيء إلى المؤسسة التي يمثلها وإلى صورة الإدارة العمومية برمتها.

ويثير القلق أكثر ما يُوصف بالحياد السلبي للإدارة المركزية، إذ إن الصمت أمام هذه الممارسات لا يمكن تأويله إلا كتشجيع ضمني على التمادي في الظلم. فالإدارة التي لا تحمي أطرها وكفاءاتها، ولا تتفاعل بجدية مع شكايات موثقة، تفقد تدريجيًا ثقة موظفيها والرأي العام في آن واحد.

إن الدفاع عن هذه الموظفة ليس قضية شخصية أو فئوية، بل هو دفاع عن الكرامة المهنية، وعن حق المرأة العاملة في بيئة تحترم إنسانيتها، وتثمّن عطاءها بدل محاصرته. كما أنه اختبار حقيقي لمدى التزام المؤسسات الوطنية بمبادئ الإنصاف والمساءلة.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تبرز الحاجة إلى تدخل حازم ومسؤول من الجهات الوصية، عبر فتح تحقيق شفاف ونزيه، وترتيب الجزاءات اللازمة، ورد الاعتبار للمتضررة.

 

 فالمؤسسات القوية لا تُقاس بشعاراتها، بل بقدرتها على حماية أبنائها وبناتها من التعسف، وصون كرامتهم من أي طغيان إداري مهما كان مصدره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى