غسيل الأموال بالمغرب.. مجهودات تبذل لحماية الاقتصاد الوطني
غسيل الأموال هو عملية إضفاء الشرعية على الأموال المتحصلة من أنشطة غير قانونية، ويمثل تهديدًا خطيرًا للاقتصاد الوطني والمجتمع ككل.
في المغرب، تتواصل الجهود لمكافحة هذه الظاهرة التي تؤثر سلبًا على التنمية الاقتصادية، وتؤدي إلى تقويض الثقة في النظام المالي الوطني.
وفي عام 2024، شهدت جهود القضاء على غسيل الأموال تطورًا ملحوظًا، مع تصاعد عدد القضايا المرفوعة والاهتمام الدولي بالظاهرة.
– جهود مكافحة غسيل الأموال في المغرب
في إطار سياسة النيابة العامة لمكافحة الفساد المالي، قامت رئاسة النيابة العامة بتكثيف عملها في مكافحة غسيل الأموال.
فقد تلقت 12 تقريرًا من المجلس الأعلى للحسابات في عام 2024، مما أسفر عن فتح تحقيقات موسعة في عدد من القضايا المرتبطة بهذا النوع من الجرائم المالية.
كما سجلت المحاكم الابتدائية المتخصصة 801 قضية متعلقة بغسيل الأموال في نفس العام، مما يعكس جهودًا فعالة لمحاصرة هذه الظاهرة على مستوى القضاء.
– تأثير غسيل الأموال على الاقتصاد الوطني
غسيل الأموال يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المغربي، حيث يشوه النمو الاقتصادي ويشجع على توسع القطاع غير المهيكل.
ويُظهر المحللون الماليون أن غسيل الأموال يؤدي إلى اختلالات في سوق العقارات والتمويل، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على قدرة الحكومة على جمع الضرائب.
في هذا السياق، يوضح أحد المحللين الماليين ” الفتحاوي ” أن غسيل الأموال يسهم في تزايد استخدام “الكاش”، مما يصعب من تتبع الأموال ويزيد من فرص التهرب الضريبي.
كما يشير إلى أن العديد من الشركات التي تمولها الأموال المغسولة قد تكون وهمية، وهو ما يضر بالاقتصاد المحلي ويحول دون تحقيق العدالة المالية.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن الأموال المغسولة تتجه إلى الاستثمار في العقارات الفاخرة أو السيارات أو اليخوت، مما يرفع من الأسعار في هذه القطاعات بشكل مبالغ فيه.
وهذا بدوره يؤدي إلى صعوبة في الحصول على العقارات ويجعل الاستثمار في هذه المجالات أمرًا مكلفًا، مما يحد من فرص خلق فرص عمل جديدة.
– التحديات الاقتصادية المرتبطة بغسيل الأموال
من أبرز التحديات الاقتصادية التي تطرحها ظاهرة غسيل الأموال هي تأثيرها على الشمول المالي، حيث تساهم الأموال المغسولة في زيادة التضخم وتقلص القدرة الشرائية للمواطنين.
وتظهر الدراسات أن عملية تبييض الأموال تعيق دخول الأموال المشروعة إلى النظام المالي، مما يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي الحقيقي.
ويؤكد الخبير المالي أن هذه الأنشطة غير القانونية تساهم في تشويه السوق وتعزز من قبضة المافيات على الاقتصاد الوطني، مما يؤثر على استقرار السوق المالية.
غسيل الأموال أيضًا يساهم في “تهريب” الثروات الوطنية، إذ تشير التقديرات إلى أن هذه الأنشطة تمثل خسارة تقارب 30% من الناتج الداخلي الخام.
وبالرغم من التحسينات التي شهدها النظام القضائي المغربي في معالجة هذه القضايا، فإن الظاهرة تبقى تشكل تهديدًا رئيسيًا على استقرار الاقتصاد، مما يتطلب استمرارية الجهود لمكافحتها.
– الجهود الدولية في مكافحة غسيل الأموال
يعتبر التعاون الدولي أحد العناصر الأساسية في مكافحة غسيل الأموال.
فالمغرب، من خلال توقيعه على العديد من الاتفاقيات الدولية، يسعى إلى تعزيز الإطار القانوني لمكافحة هذه الجريمة الاقتصادية.
من بين هذه الاتفاقيات، تأتي اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988 التي تسعى إلى تنسيق الجهود بين الدول لمكافحة تهريب المخدرات وغسيل الأموال المتأتي من أنشطة غير قانونية.
كما تبرز لجنة العمل الاقتصادي العالمية التي تعمل على تعزيز القوانين البنكية التي تساهم في الكشف عن العمليات المشبوهة.
ويبقى غسيل الأموال لا يمثل فقط تحديًا قانونيًا، بل اقتصاديًا أيضًا. إنه يؤدي إلى تهريب الثروات ويقلل من فعالية السياسات الاقتصادية، فضلاً عن إضعاف مؤسسات الدولة في مواجهة الفساد.
لذا، فإن استمرار الجهود الحكومية والتعاون الدولي هو السبيل الوحيد للحد من هذه الظاهرة والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في المغرب.