الجماعات الترابية

عين على الهامش.. موقع الفلاح البسيط بأذغال تاونات بين تعسف بنود “المخطط الاخضر” وتعسف تدخل “رجل السلطة”..

ذ.جمال التودي/التحدي الافريقي

تناقضات عديدة تكتنف تنزيل أوراش وبرامج الاصلاح الشامل لمنظومة الفلاحة، التي تهدف الدولة من خلالها بلوغ الاقلاع الفلاحي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمواطنين، عبر مجموعة من الاجراءات والتدابير. لكن الشيء الوحيد الذي غاب عن واضعي تلك المخططات الكبرى من داخل المكاتب المكييفة في العاصمة الادارية الرباط، هو غياب دراسات دقيقة تأخذ بحيثيات الظروف لكل منطقة، وفي الفترة المناسبة، بل حتى الفئات المعنية بالاصلاح الفلاحي في مجمله عرفت استثناء، لأن الامر يختلف تماما بين الفلاح الكبير الذي لا يهمه وجهة الداخل لتسويق منتوجاته، بل كل ما يهمه هو السوق الخارجي، الذي يستهويه لتصدير منتوجاته وسلعه، اعتمادا على بنود المخطط الاخضر نفسه التي تراهن وتحث على تشجيع الزراعات التصديرية نحو السوق الاوربية والامريكية بالدرجة الاولى..

والفلاح الصغير، الذي تشمل منتوجاته زراعة معاشية يعمل بالكاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي، عبر استغلال ضيعات فلاحية صغيرة، يسعى من خلالها الى البحث عن سوق داخلى الذي يعاني أصلا من عدة مشاكل، منها مشكل التسويق والدعم…

غير ان السؤال الذي يبقى مطروحا، هو كيف يمكن التمييز بين الزراعة التصديرية الموجهة للخارج، والزراعات المعاشية التي تعتمد في تسويقها على السوق المحلي، الذي تعتريه مشاكل عديدة.. نعم، عند استقراء بنود مخطط المغرب الاخضر الخاص بالاصلاح الفلاحي، نجدها تتضمن مقتضيات وشروط تعسفية تعطي الأفضلية للزراعة التصديرية، وتمنح امتيازات للفلاح الكبير على حساب الفلاح البسيط/ الصغير.. بالاضافة الى اعطاء الأولوية في الدعم للضيعات الكبيرة، في ضرب صارخ لمبدأ الانصاف المخصص لدعم الفلاحين..

بالفعل، يتضمن المخطط الأخضر بنود تعسفية، تكرس تهميش الفلاح الصغير، عندما حرمته من الدعم المقدم له، عبر التركيز على ملاك الضيعات الكببرة الذين يستنزفون الفرشة المائية بشكل كبير، ويتجلى هذا الحيف والظلم في ربط الاستفادة من القروض، حسب حجم مساحة الضيعات، كما تم اشتراط الاستفادة من الدعم المخصص لغرس تلك الضيعات المستفيدة من دعم وزارة الفلاحة ومؤسساتها اللاممركزة، كالمديريات الفلاحية الاقليمية والجهوية، والمؤسسات الموازية التي تعنى بالمجال الفلاحي، كالغرف الفلاحية التي تجسد سياسة القرب في تقديم الدعم والتوعية بطرق أخرى…

والطامة الكبرى، كون الاشكالية، لا تتمثل في تنزيل الدعم فقط، بل يتجلى المشكل الكبير عندما يتم تطبيف بنود مخطط المغرب الاخضر بشكل ارتجالي، حيث لا تلجأ السلطة المحلية من خلاله الى التفرقة بين الفئة المطبق عليها، سواء كان الفلاح بسيطا، او صاحب الضيعات التي تشمل هكتارات، تخصص لشتى أنواع المنتوجات التصديرية..

بل حتى القرارات المجسدة للمناشير التي تعتمدها الوزارات المعنية، أو الدوريات التي يصدها العامل على المستوى الاقليمي، يبقى اعتمادها بشكل أفقي، كما حدث مع قرار منع زراعة “الدلاح” باقليم تاونات، التي عرفت نوع من الارتجالية، بل شابها نوع من الشطط في استعمال السلطة من طرف قائد مزراوة، الذي تفنن في المنع، بحيث أدى تدخله المشوب بالتعسف، بخلق نوع من الارتباك في السير العادي للدورة الفلاحية لدى الفلاح الصغير، الذي حاول زراعة حقله الصغير، على مستوى منطقة ارغيوة ومزراوة..

كان على السيد القائد التمييز بين أصحاب الضيعات الكبيرة التي قد يؤدي زراعتها بنبتة “الدلاح” الى استنزاف الفرشة المائية، لكون الامر يتعلق بالمساحات الكبيرة التي من شأنها أن تؤدي الى الاجهاد المائي، اما الفلاح البسيط الذي يمتلك قطعة مساحتها لا تتجاوز بعض الأمتار، فان أي منع، أو محاولة حرمان صاحبها من ممارسة نشاطه الفلاخي، فهو يدخل في خانة اللامعقول، والشطط في استعمال السلطة، لأن الأمور تقدر بمقدال الأضرار، وليس بمنطق المنع من أجل المنع، خصوصا وأن منطقة ارغيوة تجاوزت مرحلة الاجهاد المائي، والندرة التي كان يعاني منها اقليم تاونات قبل سقوط الأمطار، أما بعدما حبانا الله بالغيث، أصبح من الضروري على رجل السلطة مراجعة قرار المنع..

لكون المخطط الأخضر في مجمله لا يفرق بين الفلاح الصغير، وأصحاب الضيعات الكبرى، وهذا في حد ذاته نوع من الحيف، يستوجب تداركه، باستعمال المنطق، عبر التفسير المرن للقانون، من خلال تنزيل روح القانون، الذي يبقى للمدبر المحلي والقواد المحترمون السلطة التقديرية التي تخضع للمصلحة العامة، بذل الارتكان الى تفسير ضيق في اعمال القانون..

قرار منع زراعة الدلاح، سيشكل انتكاسة على مستوى المجال الفلاحي بالاقليم، وسيحرم الساكنة من الفاكهة المفضلة لديهم في فصل الصيف الحار.. فالحل واضح لمواجهة الاجهاد المائي، هو اصلاح الثقوب والتشققات التي تعرفها جل قنوات مشروع السقي الساهلة وبهودة، كما ينبغي مراجعة تهريب مياه اقليم تاونات الى المدن المجاورة، مثل ربط قنوات المياه المؤدية الى ضيعات مكناس، من سد مولاي ادريس الاول بتاونات الى ضيعات مكناس، وترك فلاحي الاقليم غارقين في العطش والمنع من زرع حقولهم الصغيرة جدا..

كما يستوحب تنزيل توصية وزارة الفلاحة المتعلقة بتقنية الربط بين السدود لتجاوز اشكالية ضياع كمية الماء للسدود التي عرفت وفرة في الكمية، ونسبة ملأ تجاوزت الحقينة المطلوبة، على اعتبار أن اتخاذ مثل هذه الاجراءات ستعفي السيد القائد من حرج المنع الغير المبني على أساس، لأن مهامه بجماعة ارغيوة ومزراوة والمناطق المجاورة، تندرج في متابعة مثل هكذا تدابير الاصلاح، وليس التركيز على سياسة المنع فقط…!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى