ذ.جمال التودي/التحدي الافريقي
لقد حار كبار المحللين في قراءة الوضع المتناقض الذي تعيشه مدينة تاونات الغارقة في بحر التخلف الاقتصادي، والبؤس الاجتماعي، بحيث استعصى على أكثر الناس تفاؤلا من اخضاع نتائج الانتخابات الجزئية الى منطق تفسيري، يمهد لربط علاقة تلك النتائج بالاسباب المؤدية لها، خاصة اذا تم الاحتكام الى المقاربات التنموية التي توضح دور الفاعل السياسي فيها ومدى توفره على الشروط الموضوعية، والمؤهلات الذاتية لبلوغ ذلك..
لكون تحقيق التنمية في أي بلد، أو اقليم تقتضي الالمام بمجموعة من المقاربات والنظريات، والقوانين، والانظمة الاساسية التي تنظم الهيئات ذات الصلة بالانشطة التنموية، من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وكالات تنمية الاقاليم، او المجالس الجهوية للاستثمار، وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالتطور السوسيواقتصادي لأي مدينة او جهة…
كما ان النهوض بالتنمية يستوجب التوفر على نخب سياسية لها تكوين ودراية من الطراز العالي، لتتمكن من تفكيك شفرات “القن السري” للعملية التنموية، التي تنبني على مخططات وبرامج مضبوطة، تجعل الفاعل السياسي يضع اللمسات الضرورية لتنزيل تلك التصورات الاستراتيجية الذي يعتقد أنها تتماشى مع طبيعة وأهداف الرؤية التنموية التي يراهن عليها فاعل سياسي، لترجمة برنامجه الانتخابي الذي يصب في هذا السأن…
بالفعل، يتقاسم البرلماني والمدبر المحلي مسؤولية تحقيق التنمية من عدمها في دائرته الانتخابية..لتوضيح هذا المنحى التفسيري، سنحاول التركيز على نماذج بعينها من الفاعلين السياسين الذين خبروا الانتخابات البرلمانية باقليم تاونات؛ فمنهم من عمر طويلا حتى حصل على ” تقاعد اضطراري” من السياسة، يتعلق الامر بقيدوم السياسيين بتاونات، صاحب مقولة ( القراية ماقريش، ولكن الفهامة فاهم!)، حيث كان له مفهوم خاص للتنمية، التي تعتمد على تنمية الحزب أولا وأخيرا، من خلال تمويل أنشطته، بل حتى حملاته الانتخابية يتكلف بها البرلماني الخارق!!..
كما ان هناك مثال اخر في هذا الشأن، يتعلق الامر بالبرلماني المبجل السيد بوصوف، الذي حصل في الانتخابات الاخيرة على ما يناهز من 40000 ألف صوت انتخابي من أصل تقريبا 70000 ألف صوت في الاقليم بأكمله، مما يطرح اسئلة حول نوعية برنامجه الانتخابي الذي أقنع به الساكنة للتصويت عليه..
هذه العيينة من السياسيين التي نسوقها هنا تخص منتخبين من “حزب الحمامة”، التي بشر رئيسهم المغاربة بشعار: “تسهلوا الاحسن”.. حيث تم تنزيل هدا الشعار بطريقة معكوسة، التي بزغت بوادره في الواقع، عبر ارتفاع غلاء أسعار المواد الاساسية، انخفاض مؤشر التنمية، ارتفاع التضخم، ارتفاع نسبة الفقر، ازدياد نسبة البطالة لدى فئة الشباب بالاقليم، وهلم جرا من الموبيقات التي جعلت مدينة تاونات تعيش أسوء حالاتها، في فترة حكم حزب الحمامة…
ويا لا الغرابة، اكتسحت فرق حزب الاحرار الانتخابات الجزئية عبر ربوع المغرب عامة، واقليم تاونات على الخصوص..وكأن هناك وصفة سحرية يمتلكها حزب الحمامة باقليم تاونات و باقي مدن المغرب ، خارج البرنامج التنموي، كما كان الشان للبرلماني السابق “الحاج عبو”، الذي أربك المتتبعين للشأن السياسي بالاقليم، ولكم ان تقارنوا نسبة النمو والاقلاع الاقتصادي الذي حققته تاونات، في عهدته الانتخابية التي أرهنت مستقبل المدينة الى المجهول، وأوقفت قطار التنمية الى غير رجعة، مما يجعلنا نطرح عدة أسئلة حول الاهداف التي تدفع المواطن التوناتي الى اختيار بعض السياسيين، وما هي القيمة المضافة التي ستنضاف، اذا كان الحال سيبقى كما هو بدون تغيبر..!!
نعم، لا يمكن ان نكون جاحدين لانجازات سي “عبو الاب”، ومطالب سي بوصوف البرلماني الخارق عن حزب الحمامة الذي حقق نسبة مهمة من الاصوات في الانتخابات الاخيرة على صعيد الاقليم.. حيث راهن البرلمانيين السابق والحالي عن حزب الحمامة على المقاربة الامنية بذل المقاربة التنموية، كيف لا؟ حيث يستهويهم مصطلح “الامن” الذي يحمل دلالة خاصة في سيكولوجية الفاعل السياسي الكلاسيكي الذي ينهال من القاموس السياسي للمرحوم البصري الذي يرتكز على الامن البوليسي، عوض الارتكاز على الامن بمفهومه الشامل الذي أسس له وزير الداخلية، السيد عبد الوافي الفتيت الذي أعطى لمفهوم الامن معناه التنموي.. ولكن السادة البرلمانيين المبجلين استهواهم المفهوم الضيق للامن بمعناه البوليسي!! ويتجلى ذلك من خلال مرافعة البرلماني السابق “الحاج عبو” في المؤسسة التشريعية على مطلب مهم حول تزويد مدينة تاونات “بالحبس”، ولله الحمد تحقف هذا المطلب..
كما راج في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا ان سي بوصوف تقدم بسؤال كتابي امام البرلمان لتزويد تيسة بملحقة ادارة الامن الوطني، لتقريب الامن من المواطن…
لا يمكن اغفال الدور المحوري للامن بأي اقليم، ولكن مثل هذه المطالب تندرج في صلب اهتمامات وزارة الداخلية التي تحسب كل سكنات وحركات لأفراد أي مجتمع، وبناء على معطيات دقيقة تقيس بها درجات احتياج كل مدينة لتجريدة امنية، وحسب الوقت المناسب لتحقيق مثل هكذا مطالب..
هنا يظهر لدى البرلمانيين المبجلين غلبة المقاربة الامنية على المقاربة التنموية، فبما أن المعنيين حباهم الله بمفهوم الامن بمعناه الضيق، وفق المقاربة التي كرسها وزير الداخلية السابق ادريس البصري بمفهومه “البوليسي” كان الاجدر بهم تكييف معنى الامن وفق المقاربة التي ينهجها وزير الداخلية الحالي سي عبد الوافي الفتيت، الذي وسع من مفهوم الامن، الذي يتقاطع مع بعده التنموي، بحيث، كان حري بالفاعل السياسي التركيز على الامن الغدائي.. والامن الصحي.. والامن المائي.. والامن الرياضي.. والامن البيئي..
وليس التركيز على الامن البوليسي فقط، لأنه بحساب بسيط اذا تم تحقيق التنمية وخلق الثروة، سيتم اعفاء السادة البرلمانيين من اللجوء الى جرعات من الامن بمفهومه الضييق ( السجن، وولاية الامن)، حيث سيشتغل الشباب وتنخفض نسبة البطالة، وبالتالي ستنزل نسبة الحريمة، و ستنقص الحاجة الى “مؤسسة سجنية” او تجريدة أمنية على اهميته، لان المغرب له باع دولي في هذا الشان..
مدينة تاونات محتاجة، يا سادة! الى من يترافع عليها لتشييد مدرسة، وبناء جامعة، ومراكز صحية، ومؤسسات التنشأة الاجتماعية، بل يحتاج اقليم تاونات الى معامل ومصانع لتشغيل الشباب، وانتاج الثروة، اي الاقليم في حاجة الى احداث “منطقة صناعية” لخلق الرفاه، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من عدة سلع وحاجيات أساسية.. وليس “الحبس”، او الثكنات الامنية..
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، احيانا نشك في ان عشبة “القنيب الهندي” فعلت فعلتها في شباب اقليم تاونات الذي يكرس نفس الوجوه في كل محطة انتخابية، بالرغم من كل معاناته و آهاته التي يكل و لا يمل من التعبير عنها.. لكن اجزم بل أأكد أن المواطن التاوناتي مبنج سواء بالكيف او بالمال او بشيء آخر لا نعلمه، غير أن ما نعلمه هو ان مدينة تاونات تدور في حلقة مفرغة، حيث توقف قطار التنمية في تناقض صارخ مع ارتفاع نسبة الاصوت التي حصل عليها الساسة في الانتخابات الجزئية..
عندما نقرأ قراءة موضوعية لنتائج الانتخابات في مجملها، ونحلل على ضوءها الاوضاع التي ألت اليها مدينة تاونات المنكوبة، يختلط المنطق باللامنطق، “اللي فهم شيحاجة يشرحلينا”..!! و يقبى السؤال معلقا الى حين..!!