دولية

رسالة من الأمم المتحدة للجزائر.. لا استقرار بدون تنمية ولا تنمية مع نظام عسكري

منقول..

خلال جلسة نقاش مفتوحة بمجلس الأمن حول الفقر والتخلف والصراع، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يوم الخميس 19 يونيو، إلى الاستثمار الجاد في التنمية باعتبارها السبيل الأمثل لتفادي النزاعات. وجاءت كلماته قوية وواضحة: « ما من تدبير وقائي أفضل من الاستثمار في التنمية »، محذرا من أن نيران الصراعات تُشعلها الفوارق الاجتماعية، والتخلف، والفقر المستمر.

وبدا غوتيريش وهو يرسم صورة سوداوية لعالم يسير بخطى متسارعة نحو مزيد من التوترات، وكأنه يوجّه خطابه ضمنيا إلى دول بعينها، وعلى رأسها الجزائر، الدولة الغنية بالغاز والبترول، والتي اختارت أن تسلك طريق الصراع والتآمر ضد الجيران بدل الاستثمار في تنمية شعبها وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

حين قال غوتيريش إن «ثلثي فقراء العالم سيعيشون في دول متأثرة بالصراعات أو هشة بحلول 2030»، فإن الجزائر تبدو مرشحة بامتياز لتكون ضمن هذه القائمة، ما لم تغيّر جذريا من نهجها.

كلما ابتعد بلد عن التنمية المستدامة، اقترب من عدم الاستقرار»، هكذا لخّص الأمين العام للأمم المتحدة جوهر العلاقة بين الفقر والصراع. والجزائر، للأسف، تختار الابتعاد عن التنمية، ما يجعلها تسير في مسار خطر يُهدد استقرارها الداخلي قبل أي شيء آخر.

الجزائر.. بلد الموارد المهملة والتنمية المؤجلة

رغم احتياطاتها الضخمة من الطاقة وثرواتها الطبيعية، لا تزال الجزائر تتخبط في أزمات تنموية حادة. نسبة البطالة، خاصة في أوساط الشباب، في تصاعد مستمر، بينما تعيش الطبقات الوسطى والفقيرة تحت وطأة ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب الأفق الاقتصادي.

وعوض أن توظف الدولة الجزائرية عائداتها الضخمة من المحروقات لإطلاق مشاريع إنتاجية حقيقية، ما تزال تعيد تدوير شعارات «التنمية المستدامة» في خطابات وشعارات جوفاء لا تجد لها صدى في الواقع المعيشي للجزائريين.

مشاريع دعائية واستثمارات مفقودة

تتحدث التقارير الرسمية عن «مشاريع ضخمة» واستثمارات أجنبية «واعدة»، لكن الحقيقة على الأرض تكشف واقعا مختلفا: بيروقراطية خانقة، فساد مستشري، قضاء مسيّس، ومستثمرون يعيقهم الخوف من بيئة سياسية وأمنية غير مستقرة.

وحتى القوانين الجديدة، وعلى رأسها قانون الاستثمار الصادر عام 2022، لم تستطع تغيير الوضع، بل ساهمت في تكريس مزيد من الغموض القانوني وعدم الثقة.

وفي هذا السياق، يصبح من المشروع التساؤل: أين تذهب ثروات الغاز والنفط؟ ولماذا لا تنعكس على جودة الحياة اليومية للمواطن؟

حين تستبدل التنمية بالتآمر

في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن توجّه الجزائر مواردها لبناء اقتصاد متنوع، وبنية تحتية حديثة، ونظام تعليم وصحة فعالين، انشغل النظام العسكري – السياسي المستولي على الحكم منذ سنوات – بتأجيج النزاعات الإقليمية، وعلى رأسها الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية.

الجزائر لم تعد فقط دولة مهملة للتنمية، بل تحوّلت إلى فاعل سلبي في محيطها، تُغدق الأموال على الانفصال والتفرقة بدل التضامن والتكامل، وترعى حركات معادية للاستقرار في المنطقة بينما شعبها يعاني من الطوابير للحصول على أبسط مقومات العيش الكريم.

نداء أممي.. وصمت جزائري

إن تحذير أنطونيو غوتيريش لا ينبغي أن يُقرأ كمجرد خطاب أممي بروتوكولي، بل كصفعة سياسية موجهة بشكل غير مباشر إلى أنظمة مثل النظام الجزائري، الذي يبدد ثروات شعبه على نزاعات خاسرة بدل أن يستثمرها في بناء مجتمع منتج وعادل.

ففي عالم يسير بسرعة نحو أزمات متداخلة، لم تعد الشعارات الثورية، ولا خطابات « السيادة » الجوفاء، قادرة على إخفاء الحقائق: الجزائر اليوم بلد غني يسير بخطى ثابتة نحو الفقر، بلد يملك الغاز ويفتقر إلى التنمية، بلد يتحدث عن الاستقرار وهو يصنع التوتر في محيطه.

فإما أن تختار الجزائر طريق التنمية كما دعا غوتيريش، أو تستمر في الانحدار نحو الهشاشة والانفجار الاجتماعي والخيار لا يزال ممكنا، لكن النافذة تضيق بسرعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى