دولية

رامافوزا في مواجهة ترامب… ملامح عزلة جنوب إفريقيا

الرسالة الصادرة من واشنطن بشأن مشاركة جنوب إفريقيا في قمة مجموعة العشرين G20 لعام 2026 في ميامي، فجّرت ردًّا فوريًا من الرئيس سيريل رامافوزا. استند إلى صفة بلاده كعضو مؤسس لرفض أي مسعى لإقصائها عن تكتل الاقتصادات الكبرى. غير أن هذا الرد، على صلابته القانونية، يخفي مأزقًا سياسيًا أعمق تعيشه بريتوريا في محيط دولي لم يعد يتسامح مع الغموض الاستراتيجي.

فالأزمة الجارية لا تختزل في بروتوكول أو خلاف شكلي. إنها تعبّر عن افتراق متزايد بين جنوب إفريقيا وشركائها الغربيين، ازداد وضوحًا مع مواقف متلاحقة اتخذتها بريتوريا إزاء قضايا إقليمية حساسة. وقد اختارت رئاسة جنوب إفريقيا استعارة لغة التحدي، بما في ذلك في تعاملها مع الولايات المتحدة بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. تُقدَّم السيادة في هذا السياق كعنوان للسياسة الخارجية، غير أن هذا الخيار يستنزف القدرة الحقيقية للدولة على التأثير، بعدما كانت تتمتع بصورة دولة وسيطة ذات مصداقية.

أما الاتهامات الأمريكية المتعلقة باستهداف مزارعين بيض، فقد قوبلت برفض قاطع ووصفت بأنها حملة تضليل. إلا أن هذا الرد يتجاوز السؤال الجوهري المتعلق بانزلاق سياسة خارجية جنوب إفريقيا نحو منطق المواجهة بدل بناء التقاطعات. فالتصعيد اللفظي يعزّز التعبئة الداخلية، لكنه يضعف الموقع الخارجي في دوائر القرار.

ومن الرباط، تُقرأ هذه التطورات وفق مقاربة مختلفة. فقد رسّخت جنوب إفريقيا اصطفافًا سياسيًا إلى جانب الجزائر وجبهة البوليساريو، معتمدة توجهًا جامدًا يتجاهل تحولات القارة وموازينها الجديدة. إفريقيا اليوم تدخل مرحلة تحكمها لغة الاستثمار، ومنطق الشراكات العملية، وأولويات الأمن المشترك. في المقابل، تميل بريتوريا إلى تموضع إيديولوجي يمنح حضورًا إعلاميًا واضحًا، ويقلّص في الوقت نفسه هامش التفاوض المؤثر.

وقد يرى بعض المراقبين أن واشنطن توظف مجموعة العشرين كأداة ضغط، وأن لجنوب إفريقيا ما يسوّغ رفض هذا الأسلوب. هذا الرأي جدير بالنقاش. غير أن السيادة تمنح صوتًا، ولا تضمن تلقائيًا موقعًا فاعلًا في نظام يعيد ترتيب تحالفاته باستمرار. إن التمسك بالشرعية الشكلية دون تصحيح المسار الاستراتيجي أشبه بتشبث قانوني في ساحة سياسة متحركة.

في هذا التباين، يبرز المسار المغربي على نحو غير مباشر. فالدبلوماسية المغربية تراكم عملها بهدوء، وتبني شراكاتها على تقاطع المصالح، وتنتج حضورًا طويل الأمد عبر اتفاقات ومشاريع وتعاون أمني. وبينما تحوّل بعض العواصم القمم الدولية إلى منابر خطابية، تستخدم أخرى هذه المحافل لتوسيع شبكات النفوذ الفعلي.

وقد تتحول أزمة ميامي إلى علامة فارقة. فجنوب إفريقيا قد تحصد رمزًا داخليًا، ولكنها تخاطر بتقليص مجالها داخل المنصات التي تُصاغ فيها قرارات التمويل والتنمية الصناعية والانفتاح على الأسواق الإفريقية.

وتكثّف قاعدة راسخة في تقاليد الدبلوماسية البريطانية جوهر المشهد بوضوح واقعي. الدول لا تعرف صداقات دائمة ولا خصومات أبدية، بل مصالح مستمرة. وفي ميامي، برز هذا المنطق بجلاء لا يسمح بالالتباس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى