أراء
حلف الغدر: إيران وإسرائيل وأمريكا… ثلاثيٌّ يتقن الخيانة ويتقاسم النفوذ على دماء المنطقة
عزيز الرباح/التحدي الإفريقي
في عام 2007، صدر كتاب بالغ الأهمية للباحث الأمريكي من أصل إيراني تريتا بارسي بعنوان:
“Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States”
وترجمته الدقيقة: “التحالف الغادر: الصفقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”.
بارسي ليس مجرد باحث أكاديمي، بل كان مستشارًا في السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كما أنه مؤسس ومدير المجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC)، وقد استند في كتابه إلى أكثر من 130 مقابلة شخصية مع مسؤولين سياسيين وأمنيين من الأطراف الثلاثة، إضافة إلى وثائق دبلوماسية وسجلات رسمية لم تُنشر سابقًا.
العدو الظاهر… والحليف الخفي
يرى بارسي أن العلاقة بين إيران وإسرائيل لم تكن يومًا علاقة عداء مطلق، كما يُروَّج لها في الإعلام، بل علاقة قائمة على “الندية الحذرة والمصالح المشتركة”.
فخلال الحرب الإيرانية – العراقية في الثمانينيات، كانت إسرائيل هي المزود الأكبر لطهران بالسلاح، رغم أن الخطاب الإيراني في العلن كان يصِف إسرائيل بـ”الشيطان الأصغر”. بل وثّق الكتاب أن 80٪ من الأسلحة التي استخدمتها إيران في الحرب تمّ الحصول عليها عبر إسرائيل، بتنسيق أمريكي مباشر، فيما عُرف لاحقًا بفضيحة “إيران – كونترا”.
ليس ذلك فحسب، بل يشير الكتاب إلى أن إيران، في بداية الثمانينيات، عرضت على إسرائيل استخدام مطاراتها (وتحديدًا في طَبَريز) في حال قررت شنّ غارات جوية على المفاعل النووي العراقي، وهو ما يعكس طبيعة العلاقة العملية، وإن كانت تُغلّف بالعداء الظاهري.
قواسم طائفية ونفس سياسي مشترك
يشير بارسي بوضوح إلى أن إيران وإسرائيل كيانان طائفيان وأقليّان في البنية الثقافية والسياسية للمنطقة، ويشتركان في هاجس واحد:
تفكيك البنية السنية العربية التي كانت دومًا مركز ثقل الإسلام السياسي والحضاري.
فالصهيونية والصفوية كلاهما يعاديان الإرث العربي الإسلامي، وكلاهما يعيد قراءة الفتح الإسلامي بوصفه “خطأً استراتيجيًا” ينبغي تصحيحه، ولو بعد قرون، بوسائل جديدة: الدولار، الميليشيات، العقوبات، والصفقات الخلفية.
ولهذا، فإن العدو الحقيقي بالنسبة لهذين الكيانين ليس بعضهما، بل المشرق العربي في هويته السنية، وهو ما يفسّر الحروب التي أشعلتها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بدعم ضمني أمريكي – إسرائيلي في بعض المراحل.
ليس عداء… بل غدر مؤقت
حين تُطلق إيران صواريخ على إسرائيل، لا يُنظر إلى ذلك داخل دوائر القرار باعتباره إعلان حرب وجودية، بل يُقرأ على أنه “رسالة تفاوضية خشنة”.
وهذا ما يفسّر أن المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، مثلًا، لم تتجاوز حدود “الضربات الظرفية”، وأن التفاهمات بين الطرفين كانت دومًا أسرع من نار القذائف. فكلّما انسدّت قنوات التفاوض، اشتعلت الجبهات؛ وحين يُعاد فتح القنوات، يعود الهدوء ولو مؤقتًا.
فالخريطة ليست ثنائية (عدو–صديق)، بل مثلثة الأضلاع: كل طرف يرى الآخر نِدًّا وشريكًا – مؤقتًا أو دائمًا – في اقتسام الكعكة.