ثقافةسياسةمجتمع

حجي: المهرجان الدولي للفليم بمراكش يراهن على برمجة جريئة ووازنة

يواصل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تعزيز موقعه كأحد أبرز المواعيد السينمائية في المنطقة والعالم، بعدما رسخ، على مدى أكثر من عقدين، حضوره كمنصة تجمع كبار صناع الفن السابع وتتيح اكتشاف أحدث الإنتاجات القادمة من تجارب ومدارس متعددة.

وتحول هذا الحدث، عبر دوراته المتعاقبة، إلى فضاء حي لتبادل الخبرات، وإطلاق المواهب الجديدة، وفتح نقاشات معمقة حول تحولات السينما وتحدياتها.

وعلى بعد أيام قليلة من انطلاق فعاليات الدورة الثانية والعشرين بقلب المدينة الحمراء، تتجه الأنظار إلى ما تحمله هذه النسخة من اختيارات فنية وبرامج مهنية وتكريمات، إلى جانب شراكات تعزز مكانة مراكش كجسر تلتقي عنده سينما العالم.

في الحوار التالي الذي خص به ، يتوقف علي حجي، المنسق العام للمهرجان عضو لجنة الانتقاء، عند أبرز الأسئلة المحورية التي تميز دورة هذا العام، مسلطا الضوء على معايير اختيار الأفلام، ودينامية “ورشات الأطلس”، والرهانات الثقافية والمهنية التي تمنح مراكش مكانتها الخاصة داخل المشهد السينمائي الدولي.

نص الحوار:

بداية، كيف تقدمون للقراء الخطوط العريضة للدورة الثانية والعشرين من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش؟ وما الذي يميزها عن الدورات السابقة؟

لقد تم التفكير في الدورة الثانية والعشرون باعتبارها فضاء تتقاطع فيه مختلف تيارات السينما العالمية وتتحاور فيما بينها؛ فعلى مدى تسعة أيام، يرسم واحد وثمانون فيلما من ثلاثين بلدا خريطة حية لخيال معاصر يتشكل عبر توقيعات كبرى تميز عصرنا، وعروضا أولى تكشف عن أعمال مرتقبة، وأفلاما لمخرجين شباب تعبر بقوة عن نظرة جديدة وملحة، إلى جانب حضور مغربي لافت.

ما يمنح هذه الدورة أهمية خاصة ويجعلها فعلا فريدة، هو الانسجام الذي طبع مختلف مكونات المشروع. فللمرة الأولى، تجتمع جميع مبادراتنا المهنية تحت مظلة واحدة هي “برامج الأطلس” التي تعبر بوضوح عن طموح المهرجان الذي يتجلى في مرافقة الأفلام منذ مرحلة التطوير إلى مرحلة توزيعها، وبالتالي المساهمة في بروز أصوات جديدة من المغرب والعالمين العربي والإفريقي.

تمنح هذه الهيكلة المبتكرة إذن وضوحا أكبر للأعمال السينمائية، وتؤكد مكانة مراكش كفضاء تصاغ فيه مسارات مشاريع سينمائية جديدة، كما يشكل الولوج المجاني إلى جميع العروض وقسم “حوارات” إحدى السمات البارزة للمهرجان. فهذا الارتباط العضوي بالمدينة، والانفتاح الكامل على الجمهور، يخلقان مناخا فريدا من التبادل، حيث تتحاور أبرز الأصوات السينمائية مباشرة مع المتفرجين، في لحظات تفاعلية تغني التجربة وتكرس جوهر اللقاء مع الفن السابع.

ما المعايير الأساسية التي اعتمدتها لجنة الاختيار خلال عملية انتقاء الأفلام المشاركة هذا العام، خصوصا في ظل التنافس الدولي المتزايد؟

تقوم عملية الانتقاء على مبدأ واحد بسيط: الصرامة الفنية، فما نبحث عنه قبل كل شيء هو الكتابة الفريدة، والعمل الدقيق، وقدرة الفيلم على مساءلة عصره أو على دفعنا إلى إعادة النظر فيما نراه، وفي المسابقة الرسمية المخصصة حصريا للأفلام الطويلة الأولى والثانية، نبحث عن أصوات جديدة بالفعل.

هذه السنة، تتميز العديد من الأفلام بتوجه سياسي واضح: إعادة قراءة أحداث تاريخية، ومساءلة الإرث الاستعماري، وحكايات مراهقين تتشكل عبر اليقظة السياسية، وتساؤلات حول العنصرية وآليات السلطة. هذه الأبعاد ليست ثمرة توجيه أو موضوع مفروض، بل تعكس ببساطة ما ينجزه الجيل الجديد من السينمائيين الشباب اليوم حول العالم.

كما أعطينا اهتماما خاصا لكتابات تدفع الحدود إلى أبعد مدى، كتابات تمزج الأنواع، وتحقق جمعا هجينا بين الوثائقي والروائي، والأشكال البصرية الجريئة. وهذه الحرية في الشكل تعد أحد الخيوط الناظمة لاختيارات سنة 2025.

لوحظ تنوع كبير في برمجة هذه الدورة. ما الخلفية التي تحكم هذا التنوع؟ وهل هناك توجه خاص أردتم تكريسه في البرمجة؟

إن رغبتنا لا تكمن في وضع أفلام متباينة جنبا إلى جنب، بل في إبراز كيف تتجاوب سينمات العالم، بكل تعددها واختلافاتها؛ فمراكش هي فضاء تتقاطع فيه الحكايات الشعبية، واقتراحات سينما المؤلف، والأعمال التجريبية، والأفلام الموجهة للعائلات، إلى جانب بانوراما رحبة للسينما المغربية.

وهنا لا بد من التأكيد على أن التوجهات الكبرى لهذه الدورة ترتكز على محورين أساسيين: أولا، دعم بروز الأصوات الجديدة من خلال مسابقة مخصصة كليا للاكتشافات الأولى. ثانيا، ضمان تداول الأعمال عبر آليات مهنية غير مسبوقة، وعلى رأسها لقاءات الأطلس للتوزيع التي تجمع لأول مرة في مراكش موزعين من إفريقيا والعالم العربي وأوروبا.

بهذا يريد المهرجان أن يكون فضاء تعبر فيه الكتابات الحرة عن نفسها بكل تنوعها، وأن يبقى فيه حس الاكتشاف عنصرا جوهريا في التجربة السينمائية.

كيف تقيمون مستوى المشاركة المغربية في هذه النسخة سواء في المسابقة الرسمية أو في باقي الفقرات؟

إن المشاركة المغربية خلال هذه الدورة، قوية بشكل لافت، وتعكس الحيوية التي يعرفها المشهد السينمائي الوطني؛ فقد بُرمجت خمسة عشر فيلما مغربيا ضمن مختلف أقسام المهرجان، من بينها عرض عالمي أول داخل المسابقة الرسمية لفيلم “خلف أشجار النخيل” لمريم بن مبارك، وفي بانوراما السينما المغربية العرض العالمي الأول لفيلم “بعيون مغربية” لكريم الدباغ، إضافة إلى العرض الدولي الأول لفيلم “من يراقبون” لكريمة السعيدي.

وفي المسابقة الرسمية، يفرض فيلم “خلف أشجار النخيل” نفسه كعمل يجمع بين الطموح الفني والتفرد، بفضل كتابة تتناول بدقة كبيرة علاقات الطبقات الاجتماعية وآثار الإرث الاستعماري.

ويعكس هذا الحضور المغربي الوازن أيضا الأثر البنيوي الذي أحدثته ورشات الأطلس؛ فمنذ سنة 2018، رافقت هذه الورشات بروز مخرجين أصبحوا اليوم أسماء بارزة، ومنحت دفعة حقيقية لجيل جديد يستكشف سرديات حميمية أو سياسية أو مبتكرة من حيث الشكل.

تعرف هذه الدورة حضور أسماء سينمائية وازنة على المستوى العالمي. ما معايير اختيار الضيوف؟ وما القيمة التي يضيفونها للمهرجان؟

ندعو في هذه الدورة فنانين أسهمت مساراتهم فعليا في تشكيل ملامح السينما، من خلال أفلامهم، وأيضا عبر طريقتهم في التفكير ونقل المعرفة.

وتجسد التكريمات التي يقدمها المهرجان هذا العام لجودي فوستر، وغييرمو ديل تورو، وراوية، وحسين فهمي هذا التوجه بوضوح: أربع شخصيات تمثل أربع علاقات مختلفة بالسينما، وأربعة أجيال، وأربع رؤى.

ويقوم اختيار ضيوفنا أيضا على قدرتهم على الحوار مع الجيل الجديد ومع الجمهور؛ ففي مراكش لا يأتي النجوم فقط لعرض فيلم، بل يشاركون في حوارات المهرجان، ويتبادلون الأفكار مع السينمائيين المشاركين في ورشات الأطلس، ويفتحون آفاقا جديدة، ويشاركون تجربة ورؤية لمهنة السينما. إن هذا التفاعل بين الأفكار والمسارات يشكل جزءا أصيلا ومتجذرا من الهوية العميقة للمهرجان.

يحرص المهرجان دائما على خلق جسور بين السينمائيين الشباب وصناع القرار في المجال، فما المستجدات التي يحملها برنامج “ورشات الأطلس” هذا العام؟

أعتقد أن الإضافة الكبيرة في هذه الدورة تتجلى في إطلاق لقاءات الأطلس للتوزيع، وهي آلية محورية تستكمل المنظومة المهنية للمهرجان. فللمرة الأولى، يجتمع ستون موزعا من إفريقيا والعالم العربي وأوروبا في مراكش لاكتشاف أفلام ومشاريع في مرحلة ما بعد الإنتاج. وسيغير هذا اللقاء بصورة جوهرية المسار المحتمل لأي فيلم؛ إذ يضعه مباشرة أمام شركاء متخصصين في التعامل مع الإنتاجات السينمائية.

وبالموازاة مع ذلك، يتوسع برنامج منصة الأطلس ليواكب اليوم مخرجين مغاربة يشتغلون على أفلام قصيرة في مرحلة ما بعد الإنتاج، التي تشكل حلقة أساسية في تكوين جيل جديد من السينمائيين، أما “أطلس بريس” فيواصل عمله في تدريب وإعداد النقاد الجدد، من خلال استقبال خمسة عشر طالبا مغربيا للانخراط في تجربة عملية في فن الكتابة النقدية.

وهكذا، تقدم برامج الأطلس مسارا متكاملا ومتواصلا، يبدأ مع مرحلة الكتابة وصولا إلى مرحلة التوزيع، الأمر الذي يشكل دعما حقيقيا يفتح الأبواب أمام ظهور أصوات جديدة ويمنح الصناعة السينمائية آليات ملموسة للنمو.

ما الرهانات الكبرى التي تراهنون عليها في هذه الدورة؟ وماهي الرسالة التي ترغبون في إيصالها إلى الجمهور وصناع السينما على حد سواء؟

تتجلى أولى رهانات المهرجان في تداول الأفكار والكشف عن خيال المبدعين باختلاف مشاربهم. ما يتيح الفرصة لأعمال متنوعة للغاية كي تصل إلى جمهور واسع، وتلتقي مع موزعين، وتنفتح على آفاق جديدة ورحبة. أما الرهان الثاني فيتعلق بنقل المعرفة وتواترها؛ فالمهرجان فضاء يلتقي فيه سينمائيون كبار، ومؤلفون شباب، ومهنيو الصناعة، وطلبة، وعائلات. هذا القرب والاحتكاك الحقيقي بين مختلف الفاعلين هو جوهر هويتنا.

وأخيرا، يتمثل الرهان في مرافقة تحول المشهد السينمائي العربي والإفريقي، من خلال بناء منظومة مهنية متينة وطموحة ومنفتحة على العالم؛ فنحن نرغب في إيصال رسالة بسيطة مفادها أن السينما فضاء للقاء، وللحرية، وللتفكير، ومراكش فضاء شاسع للتعبير بكل حرية وطلاقة.

من موقعكم منسقا عاما وعضو لجنة الانتقاء، ما اللحظة أو التفصيل الذي تعتبرونه الأكثر تأثيرا خلال التحضير لهذه النسخة؟

ما أثار انتباهي أكثر هذه السنة هو ذلك الانسجام الذي أخذ يتبلور تدريجيا بين الأفلام، ومشاريع ورشات الأطلس، وحوارات المهرجان، والتكريمات، والمستجدات المهنية.

في لحظة معينة، بدا أن كل العناصر تتناغم بشكل واضح ونادر، لتؤكد قناعة أساسية خلاصتها أن هذه الدورة قادرة على أن تقول شيئا جوهريا عن زمننا، عن قلقه، ورغباته، وجرأته.

من ناحية أخرى، هناك اللقاءات مع الأفلام: تلك اللحظات الفريدة التي يفرض فيها مشروع ما حضوره بقوة النظرة التي يحملها، وتفاجئك فيها موهبة شاب بمدى نضج رؤيته، أو يصبح فيها فيلم ما عصيا على النسيان. هذه اللحظات تحديدا هي التي تمنح عملنا معناه الحقيقي.

كيف يساعد المهرجان في تعزيز صورة المغرب كوجهة ثقافية وسينمائية عالمية؟

يحظى المهرجان باعتراف دولي واسع ينعكس بشكل طبيعي على صورة المغرب؛ فحضور شخصيات كبيرة، أكانوا سينمائيين أو ممثلين أو مسؤولين عن مؤسسات عالمية، مثل الرئيس التنفيذي لجوائز الأوسكار، يؤكد المكانة التي تحتلها مراكش في المشهد السينمائي العالمي.

يجب ألا ننسى أنه ينظر إلى المغرب اليوم كبلد للإبداع، وللاستقبال، وللاحترافية. ويسهم المهرجان في هذا التحول من خلال إشعاع اختياراته الفنية، والحضور القوي للأفلام المغربية وأعمال أبناء الجالية، وبناء منظومة مهنية حقيقية عبر برامج الأطلس، إضافة إلى انفتاحه الواسع على الجمهور، الذي يمنح المهرجان بعدا ثقافيا حيا ومتاحا للجميع.

وتعزز هذه العناصر مجتمعة: التميز الفني، والارتباط الوثيق بالمدينة، والانفتاح على العالم، صورة المغرب كوجهة أساسية في الخريطة السينمائية الدولية.

أخيرا، ما طموحاتكم للدورات المقبلة؟ وهل هناك مشاريع تطويرية قيد الدراسة لتعزيز مكانة مهرجان مراكش ضمن خارطة المهرجانات الدولية؟

تتمثل طموحاتنا في الدورات المقبلة في مواصلة بناء مهرجان يواكب الأفلام في كامل مسارها، من لحظة بروزها إلى تداولها، مع تعزيز تجربة الجمهور في الوقت نفسه.

والغاية هي ترسيخ مكانة مراكش، أكثر فأكثر، باعتبارها منصة تتاح فيها للأعمال رؤية واسعة، ويلتقي فيها السينمائيون بشركاء جدد، وتتحاور فيها مختلف الأجيال الفنية بحرية كاملة.

وستواصل برامج الأطلس تطورها من خلال ابتكار أدوات جديدة تسهل تداول الأفلام العربية والإفريقية، ودعم شبكة الموزعين، وخلق جسور أكثر صلابة بين مختلف مكونات البرنامج.

ونعمل أيضا على سبل تعزيز حضور المهرجان داخل المدينة، من خلال إعادة تصور بعض الآليات، وابتكار أشكال جديدة للتواصل مع الجمهور، مع الحفاظ على العناصر التي تمنح مراكش خصوصيتها: الانفتاح، والصرامة الفنية، والقدرة على استقبال الأعمال بعناية استثنائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى