ثورة الملك والشعب.. التوافق سبيلا للتحرير
قررت فرنسا نفي السلطان محمد الخامس، في 20 غشت 1953، بعد أن باءت كل محاولاتها للفصل بين الملك والشعب بالفشل، وبعد أن أصبحت شروط الوحدة المغربية أكثر نضجا.
تم توقيع معاهدة “الحماية” في شرط انقسام داخلي، عززه الأجنبي بتدخله الاقتصادي والثقافي والسياسي قبل تدخله عسكريا؛ فوقع السلطان المولى عبد الحفيظ ذات المعاهدة على مضض، وبعد أن أصبح المغرب مهددا بحرب أهلية بين القبائل وفئات المصالح المختلفة.
“داء العطب قديم” كما قال السلطان عبد الحفيظ (عنوان لكتاب كتبه بعد توقيع “الحماية”)، ولا مهرب من الاختيار بين مفسدتين: تخل عن السيادة، أو تفكك للوحدة.
فاختار السلطان المغربي أقلهما ضررا، وهي التخلي عن السيادة، أما الوحدة فتستأنَف بعد نضج شروطها.
وكذلك كان بظهور شروط جديدة أفرزت حركة وطنية تمثل كافة الفئات والطبقات الاجتماعية، وتجتمع على هدف واحد هو استقلال المغرب، وتحرير قدراته من قيود الاستعمار لمصلحتها جميعا. فلما أضر الاستعمار بمصالح كل الفئات (مخزن، بورجوازية، عمال، كداح… الخ)، ولما اكتشفت الفئات العليا -من رجال المخزن وبورجوازية مغربية صاعدة
-انحراف الفرنسيس عن المتفق عليه في معاهدة “الحماية” (والذي ظهر بوضوح مع “الظهير البربري”/ 16 ماي 1930)، أصبحت الشروط الاجتماعية للوحدة السياسية المغربية أكثر نضجا من ذي قبل، فكانت الحركة الوطنية تتويجا لهذا الشرط الجديد.
هذا هو “التحليل الملموس” لثورة الملك والشعب؛ إلا أن هذه الثورة لم تبنِ على فراغ إيديلوجي وافتقار تاريخي؛ بل وجدت بين يديها مقومات دينية ولغوية للوحدة، وعلاقة وثيقة بين السلطان والرعية، وإجماعا على “كفر” الاستعمار، واستمرارا للمؤسسات التقليدية (الزوايا، الشرفاء، الفقهاء، القبيلة…).
فاستدعت “البنى التحتية” “بناها الفوقية”، فحدث التوافق بين كافة الفئات معبرا عن وحدة هدفها استرجاع السيادة.
ظن الاستعمار أن وجود السلطان في وعي ووجدان الحركة الوطنية وجود ذاتي فحسب، غافلا بذلك عن وجوده المعنوي والاجتماعي والسياسي والثقافي والتاريخي. لم يتصور العلاقة الجدلية بين الحركة والسلطان، وأغفل الحاجة الاجتماعية إليه (أي السلطان)، ولم ينتبه إلى القابلية التي أنتجها المخزن الجديد في المجتمع المغربي.
وهنا نقصد ب”المخزن الجديد” استيعاب السلطان للشروط الاجتماعية الجديدة دون تخلّ عن مؤسساته التقليدية. ولذلك كانت المقاومة المغربية مزيجا بين العمال ورجال الزوايا، وبين تجار فاس وشرفائها، وبين المدينة والبادية، وبين طلبة الجامعات وفقهاء المساجد…على النقيض من هذه الحركة العامة والعميقة، ألقى الاستعمار بورقة “نفي السلطان محمد الخامس”، والتي سرعان ما احترقت ب”انتفاضة الشعب المغربي نصرة للوحدة والسيادة ورمزهما الأسمى، أي السلطان”.
كان الاستعمار يريد، بنفي السلطان وتنصيب ابن عرفة مكانه قسرا، اصطناع معركة بين “قواده وبشواته” من جهة والحركة الوطنية من جهة أخرى، ليبرر تدخله القمعي بحجة انقسام المجتمع وعودة المغرب إلى ما قبل “الحماية”، واقع اللاوحدة.
إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل لتوفر شرطينشرط داخلي؛ تحدثنا عنه، أساسه تشكل شروط وحدة اجتماعية وسياسية وثقافية جديدة تقطع مع واقع توقيع معاهدة “الحماية”، وتناقض موضوعيا الوجود الاستعماري.
شرط خارجي؛ لم يعد يتحمل الاستعمار العسكري القديم، خاصة مع صعود قوى جديدة -هي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي-، ستقتسم بينها نفوذ العالم الجديد.
وهو العالم الذي لم تحافظ فيه فرنسا على نفوذها السابق، فلم تجد إلا أن تمدّد سيطرتها على المغرب لفترة قبل أن تنهيها “ثورة الملك والشعب”.لماذا نسترجع هذه الذكرى وبهذا التفسير؟
الهدف هو التركيز على أهمية التوافق بين الدولة والمجتمع، بين العرش والشعب، في معارك التحرير والدفاع عن الوحدة الترابية.
نحن اليوم في شرط استقلال، يطلب استكمال الوحدة الترابية بحسم ملف الصحراء المغربية واسترجاع سبتة ومليلية والجزر المحتلة، ويطلب استكمال الاستقلال الاقتصادي زراعيا وصناعيا وخدماتيا، كما يطلب دفع التفكيك الثقافي والقيمي الأجنبي؛ وكلها مهام تحريرية تقتضي الالتحام بين العرش والشعب، والتوافق بين إدارتي الدولة والمجتمع..
فلا تناقض اليوم إلا مع الاستهداف الأجنبي، و”لا غالب إلا الله”، و”إن تنصروا الله ينصركم”.