ثلاث قضايا كبرى في خطاب افتتاح الدورة التشريعية
افتتح جلالة الملك، الدورة التشريعية الجديدة بخطاب قوي وعميق، يحمل أكثر من رسالة. وإذا أردنا إعطاء عنوان للخطاب، يمكننا القول إنه خطاب “الانتقال من التدبير إلى التغيير”. مع التأكيد على استعمال جلالته، لمصطلح التغيير، وما يحمله من معاني سياسية وديبلوماسية، لها دلالة قوية ومعاني عميقة.
إذا كان الخطاب الملكي، قد تناول نقطة فريدة ووحيدة، هي قضية وحدتنا الترابية، فإن المعاني التي جاءت في كلمات جلالته، والرسائل التي حملتها تلك الكلمات، تجعل منه خطابا قويا ويحمل أبعادا كبيرة. فالخطاب لم يتحدث عن قضية الصحراء المغربية، على أساس أرضية ما يقوم به خصوم وحدتنا الترابية. وإنما تحدث عن هذه القضية من منطلق الانتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها التغيير وأخذ المبادرة.
هذه العناوين جعلت الخطاب الملكي، يتحدث عن المستقبل، ويربط وحدة بلادنا الترابية، بقضايا التنمية في إفريقيا والمنطقة المغاربية. وهنا تكمن الأبعاد الحقيقية لخطاب الملك.
الخطاب على العموم يمكن تقسيمه إلى ثلاثة عناوين رئيسية كبرى، تشرح الحاضر، وتوجه البوصلة بالخصوص إلى المستقبل:
-1- الانتقال من التدبير إلى التغيير:
إنه التأسيس لمرحلة جديدة، بعد الانتصارات التي حققتها الديبلوماسية المغربية على أكثر من صعيد. واستعمال جلالة الملك لمصطلح “التغيير داخليا وخارجيا”، يجعل من المرحلة القادمة تحمل تحولات كبرى، إن على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
فعلى الصعيد الداخلي، انخرط المغرب في أوراش كبرى، وعمل جاهدا على جعل المملكة المغربية تنخرط في الاقتصاد العالمي بشكل قوي. إيمانا من المغرب، بأن تحقيق الطفرة التنموية، يمر بالضرورة عبر قنطرة الانخراط في الدينامية العالمية وفي الاقتصاد العالمي. وهو ما يتطلب، تغييرات على المستوى الداخلي. واستعمال مصطلح “التغيير” يفيد اتخاذ قرارات كبرى داخليا.
أما على الصعيد الخارجي، فيمكننا القول، إن الخطاب الملكي، يفيد انتقال المملكة المغربية، إلى مرحلة جديدة، بعد الانتصارات الديبلوماسية التي حققها المغرب بخصوص قضيته الأولى، قضية الوحدة الترابية. فما تشهده الديبلوماسية المغربية على الصعيد الدولي من اختراق ودينامية، يتطلب الانتقال إلى مرحلة جديدة، وصفها جلالة الملك بالانتقال من رد الفعل إلى أخذ المبادرة.
-2- تقدير جهود الدول الكبرى في دعم وحدتنا الترابية:
بعد أن ذكَّر جلالة الملك، بعدالة قضيته الوطنية، ووصف ذلك بقوله “الحق يَعلو ولا يُعلى عليه” وأن “القضايا العادلة تنتصر دائما”، توجه بالشكر لكل الدول التي وقفت بجانب المملكة المغربية، في قضيته العادلة. وخص بالشكر الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا حيث ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاسم.
إن ذكر الرئيس الفرنسي بالاسم، يفيد أن العلاقات المغربية الفرنسية ستشهد في المستقبل القريب، انسجانا تاما بين الاعتراف الصريح بوحدة المغرب الترابية، والدفاع عن ذلك في مجلس الأمن الدولي من طرف بلد عضو دائم فيه وله حق الفيتو، وبين التعاون الاقتصادي والانخراط الفرنسي في الدينامية التنموية التي يشهدها المغرب.
إنه التجسيد العملي لاستراتيجية التعاون المتكافئ وفق منطق رابح رابح.
-3- ربط وحدة المغرب الترابية بالتنمية في العمق الافريقي والمحيط المغاربي:
بعد حديث جلالة الملك عن الانتصارات الديبلوماسية التي عرفتها السياسة الخارجية للمغرب، انتقل إلى الحديث عن المشاريع المستقبلية، وتحدث عن السبل المتاحة للمغرب، من أجل تحويل هذا الاختراق الديبلوماسي، ودعم دول كبرى لوحدته الترابية، إلى مشاريع تنموية تحقق الطموح التنموي المنشود، والاقلاع الاقتصادي الذي يشتغل عليه المغرب بكل طاقته وجهده.
جلالة الملك ربط بين الدينامية الإيجابية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية، وبين المشاريع التنموية التي تنتظرها الدول الافريقية، لتحسين أوضاعها الاقتصادية. هذا الطموح التنموي الذي يشتغل عليه المغرب، في عمقه الافريقي، هو الجواب الأمثل، لمظاهر الإرهاب والحروب والهجرة الغير الشرعية.
هنا تحدث جلالة الملك، عن مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب، وستستفيد منه 13 دولة في الغرب الافريقي. وتحدث كذلك عن المبادرة الأطلسية، التي من شأنها، فتح نافذة الأطلسي لدول الساحل.
تحدث الخطاب الملكي كذلك، على انفتاح المغرب على محيطه المغاربي، وربط هذا الانفتاح بالتنمية المشتركة. هذا الحديث فيه رسالة واضحة، للشقيقة الجزائر، مفادها أن نجاح المغرب في ديبلوماسيته الخارجية، وتمكنه من كسب تأييد دول كبرى، ليس الهدف منه معاداة الجزائر أو الانتصار عليها. وإنما هذا النجاح المغربي، ستستفيد منه جميع الدول المغاربية، لأنه سيطوي مرحلة التدبير، وسيفتح مرحلة التغيير، ببناء المستقبل التنموي لكل شعوب المنطقة المغاربية.
وفي الختام، ذكر جلالة الملك نواب الأمة بدورهم في تدعيم جهود الدولة، وذلك في إطار الديبلوماسية الحزبية والبرلمانية. ودعا لمزيد من التعبئة، للتصدي لخصوم وحدتنا الترابية. فكسْب المغرب لرهان وحدته الترابية، قد يدفع بعض الخصوم إلى أعمال عدائية، تتطلب مواجهتها والقضاء عليها في مهدها.
كل من يتمادى في عدائه لوحدتنا الترابية، يُخالف منطق العقل والتاريخ، ويتجاهل الروابط الروحية للمغرب مع صحرائه، يقول جلالة الملك. إنها رسالة واضحة، لخصوم وحدتنا الترابية، بإعمال منطق العقل الذي سيربح فيه الجميع، بدل منطق العداء يكون الخاسر الوحيد فيه، هو من يمثل سياسة العداء.