مجتمع
تنوع المفردات لدى الآباء سر التطور اللغوي المبكر للأطفال
الدكتور زكرياء بنعمر فارس
لطالما أدرك التربويون والباحثون الأثر العميق لتفاعل الوالدين اللغوي مع أطفالهم على نموهم اللغوي. لكن دراسة شاملة نُشرت في ديسمبر 2024 تقدم رؤى حاسمة حول الجانب الأكثر أهمية في هذا التفاعل: ليس فقط كمية الكلمات، بل تنوعها وثراؤها.
للوصول إلى هذه النتائج، قام فريق من الباحثين بتحليل دقيق لـ 41 دراسة علمية سابقة، شملت ما مجموعه 5,563 طفلاً، في ما يُعرف بـ “التحليل التلوي” (Meta-analysis). كان الهدف هو قياس الأثر الدقيق لـ “المدخل اللغوي” للوالدين على القدرات اللغوية للأطفال، وتحديد الجوانب الأكثر تأثيراً في هذا المدخل.
تنوع الكلمات يتفوق على الكمية والتعقيد النحوي.
أظهرت الدراسة بوضوح أن العلاقة بين كمية وجودة اللغة التي يتعرض لها الطفل في المنزل ومستوى تطوره اللغوي هي علاقة إيجابية وذات دلالة إحصائية. فكلما تحدث الآباء أكثر مع أطفالهم، تحسنت مهاراتهم اللغوية.
لكن النتيجة الأكثر أهمية هي أن تنوع المفردات المستخدمة يفوق أهمية عدد الكلمات أو تعقيد التركيب النحوي للجمل. بمعنى آخر، لا يكفي التحدث كثيراً، بل يجب إثراء المفردات وتغييرها. الأطفال الذين يتعرضون للغة غنية ومتنوعة ومتباينة الألفاظ يطورون قدرات لغوية أفضل، لا سيما في الفهم والتعبير الشفهي.
في المقابل، تبين أن التعقيد النحوي (مثل طول الجمل والتراكيب المعقدة) له تأثير أقل. وهذا يعني أن الجمل البسيطة التي تحتوي على كلمات متنوعة ومختلفة أكثر فائدة بكثير من الخطابات المعقدة.
أثر شامل لا يتأثر بالعمر أو الجنس أو اللغة.
كشفت الدراسة أن هذه النتائج ثابتة ولا تتغير بتغير عوامل مثل عمر الطفل، أو جنس الوالد أو الطفل، أو اللغة التي يتحدث بها في المنزل، أو وجود اضطرابات نمو محتملة. هذا يعني أن ثراء اللغة المستخدمة يظل رافعة أساسية لدعم اكتساب اللغة لدى الطفل، بغض النظر عن الظروف المحيطة.
ووفقاً لهذا التحليل التلوي، يمكن للأطفال أن يحققوا تقدماً يصل إلى 40% في تطورهم اللغوي عند تعرضهم لمفردات غنية ومتنوعة.
نصائح عملية للوالدين لدعم التطور اللغوي لأطفالهم.
لا يتطلب الأمر أن يكون الوالدان لغويين أو يتحدثوا بلغة معقدة لتعزيز مهارات أطفالهم اللغوية. تقدم الدراسة نصائح بسيطة ومدعومة علمياً:
* تَنويع المفردات: استخدام المرادفات، وصف ما يراه الوالدان وما يشعران به وما يفعلانه، لتقديم كلمات جديدة للطفل.
* التكيّف مع الطفل دون تبسيط مفرط: الكلمات الجديدة تثري لغة الطفل حتى لو لم يفهمها على الفور. يجب الحرص على تقديم كلمات جديدة باستمرار لتوسيع قاموس الطفل اللغوي.