عزيز رباح/التحدي الإفريقي
الأربعاء 2 أكتوبر 2025
*-الجزء الثاني-*
بعيدًا عن استغلال الظرفية والركوب على الموجة والاحتجاجات لتصفية الحسابات أو تبادل الاتهامات أو تأجيج التوترات أو نشر المزايدات، يجب أن نقرّ بأننا جميعًا مسؤولون – بنسب متفاوتة – عن عدم تحقيق العدالة الاجتماعية بسبب الإخفاقات في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والتشغيل. كما أننا مسؤولون أيضًا عن غياب العدالة المجالية نتيجة تهميش بعض الجهات والأقاليم الجبلية والقروية وحتى بعض المناطق الحضرية.
ومن ثمّ، لا بد أن نعترف بأن المسؤولية مشتركة، من الموظف الصغير إلى رئيس الحكومة، مرورًا بالمنتخبين والإداريين والمسؤولين والسلطات. مسؤولية تمتد عبر عقود، ولا مجال بعد اليوم للتراشق والتنابز والاستغلال السيئ، إذ لا يليق ذلك لا شرعًا ولا وطنية.
وأنا – مثل كثير من الفاعلين المدنيين والإعلاميين والمثقفين – أحاول أن أُسهم في بلورة مبادرات ومقترحات لمن يهمه الأمر، لعلها تكون نافعة في معالجة المعضلات التي تسببت في وجود “مغرب بسرعتين”، وما نتج عنه من إحباط ويأس واحتجاجات.
وقد سبق أن نشرت منذ سنوات مقالات في سلسلة “مغرب الحضارة”، تناولت قضايا وحلولًا تتعلق بتوحيد سرعة المسار التنموي لبلادنا وآثاره الإيجابية على جميع المواطنين والمناطق. ناقشتُ فيها قضايا النزاهة والمحاسبة، والثقة بين الدولة والنخب، والتنمية العادلة، وبناء الإنسان، والحكامة الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، إضافة إلى موضوعات الماء والأمن الغذائي، والاستثمار والتشغيل والشباب. وقد كانت تلك المقالات دعوة للنصح والتقييم، واعترافًا بالتقصير، ومحاولة للتكفير عنه بالدعوة إلى التعاون لتدارك الأمر وإحداث منعطف تاريخي في مسار التنمية الوطنية.
وأؤمن أن أغنياء الوطن قادرون على تحمّل مسؤولياتهم، ودعم الدولة في إيجاد الحلول، ومواكبة المجتمع لترسيخ التضامن. وفي هذا السياق، أقترح بعض التدابير العملية التي من شأنها الإسهام في تحقيق التنمية العادلة، خصوصًا في ما يتعلق بخلق فرص الشغل وتنمية الأقاليم الفقيرة، ويمكن الإلتزام بها كلها أو بعضها :
1. أداء الضرائب كما يجب والاستفادة من برامج التسوية بما يحقق مصلحة للوطن والمصرِّح معًا.
2. ضخ الأموال غير المصرح بها في الدورة الاقتصادية والنظام المالي الوطني.
3. استرجاع الأموال المودَعة بالخارج والاستفادة من برامج التسوية، وضخ جزء منها في الاقتصاد الوطني.
4. المزيد من الاستثمار في القطاعات المشغّلة والمربحة، خصوصًا في المناطق المحتاجة، وفق تعاقد متوازن يفيد الدولة والمستثمرين.
5. تشغيل إضافي بنسبة 10% من اليد العاملة الحالية، وهو إجراء قد لا يكلف إلا نسبة بسيطة من الأرباح.
6. احتضان عدد من الشباب بمنح شهرية لمدة سنة أو سنتين للتكوين أو لإعداد مشروع، على أن تخصم هذه النفقات قانونيًا من الضرائب.
7. التصريح الكلي بالعاملين وتمكينهم من زيادات معقولة تساهم في تقليص الهشاشة وتساعدهم على بناء أسر مستقرة.
8. اقتسام الأرباح مع الدولة بالنسبة لمن استفادوا من مشاريع مدعومة في مجالات الفلاحة والمعادن والصيد البحري والمقالع والسكن وغيرها.
9. إطلاق برامج للتكافل التنموي من أموال الزكاة ونسبة من الأرباح، سواء فرديًا أو جماعيًا.
10. دعم التعاونيات والمقاولات الصغرى والمقاولين الذاتيين عبر المناولة أو اقتناء الحاجيات منهم.
إنني على يقين أن الدولة والأغنياء قادرون على إيجاد صيغ لتعاقد وطني يجمع بين الإلزام والتوافق والتطوع، فيكون في مصلحة الجميع: الدولة، والمجتمع، والأغنياء. تعاقد يسهم في الاستجابة للمطالب الاجتماعية والمجالية، ويكفّر عن إخفاقات وتجاوزات الماضي، ويؤسس لمزيد من الطمأنينة والاستقرار.