شركات فرنسية تستعد لمغادرة السوق الجزائرية
في خضم التصعيد المتواصل للتوتر الدبلوماسي بين باريس والجزائر، بدأت تظهر مؤشرات ملموسة تثير قلقًا متزايدًا لدى الأوساط الاقتصادية الفرنسية، وسط تساؤلات جدية حول مستقبل الشراكة بين البلدين، وما إذا كانت فرنسا بصدد فقدان موقعها التاريخي في السوق الجزائرية، لصالح قوى دولية أخرى لا تثقلها عقد الماضي الاستعماري، في وقت تفكر فيه شركات فرنسية كبرى، على رأسها “رونو”، في مغادرة السوق نهائيًا.
تراجع صادرات المحروقات الجزائرية نحو فرنسا
المحروقات، التي طالما شكّلت العمود الفقري للعلاقات الاقتصادية بين باريس والنظام الجزائري، باتت تشهد تراجعًا مقلقًا.
فوفق بيانات وزارة المالية الفرنسية نقلًا عن “راديو فرانس”، تمثل هذه المواد نحو 80% من صادرات الجزائر نحو فرنسا، ومع ذلك، تراجعت واردات باريس من النفط والغاز الجزائري بأكثر من 10% خلال العام الماضي، مقابل ارتفاع كبير في استيرادها من الهيدروكربورات الأمريكية، ما يشير بوضوح إلى تغير في التوازنات لصالح شركاء أكثر موثوقية.
ولا تزال فرنسا ثاني أكبر شريك تجاري للجزائر، حيث تصدّر لها منتجات متنوعة تشمل قطع غيار السيارات والمعدات الصناعية والمواد الصيدلانية، وقد نمت هذه الصادرات بنسبة 6.6%، مما ساعد على تقليص العجز التجاري الفرنسي بنحو 1.5 مليار يورو.
ومع ذلك، تُصرّ وزارة المالية الفرنسية على تقديم صورة مطمئنة، مشيرة إلى أن التبادل التجاري لا يزال مستقرًا، وأن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة إفريقيًا كشريك اقتصادي بقيمة تبادل بلغت 4.8 مليارات يورو، بعد المغرب (7.4 مليارات) وقبل تونس (3.4 مليارات).
قرارات جزائرية أحادية
ولكن خلف هذه الأرقام، يكشف الواقع الميداني عن أجواء أقل تفاؤلًا. فقد قررت الجزائر من جانب واحد إلغاء مشاركتها في معرض الفلاحة الدولي في باريس، وألغت اجتماعًا مهمًا كان مرتقبًا بين اتحاد أرباب العمل الجزائريين ومنظمة MEDEF الفرنسية.
ورغم نفي السلطات الجزائرية وجود قرار رسمي بتجميد عمليات التوطين البنكي الخاصة بالواردات، فإن العديد من الفاعلين الاقتصاديين يؤكدون استمرار العراقيل الإدارية التي تكبل حركة التجارة، مما يضع الشراكة الاقتصادية بين البلدين في حالة من الشك وعدم الاستقرار.
تبعية جزائرية للمنتجات الفرنسية
ولن يكون تفكيك العلاقات الاقتصادية المتشابكة بين الطرفين سهلًا، خصوصًا مع استمرار التبعية الجزائرية للعديد من المنتجات والخدمات الفرنسية الحيوية، مثل تحسينات الخبز ومشتقات الحليب، وقطع غيار شاحنات الإطفاء، فضلًا عن صيانة أنظمة المعاملات البنكية من قبل شركة Thalès.
ورغم وجود أكثر من 450 شركة فرنسية تنشط في الجزائر، من بينها TotalEnergies وEngie وSanofi، فإن فرنسا فقدت جزءًا كبيرًا من هيمنتها قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، فمثلاً، كانت تسيطر على 90% من واردات الجزائر من القمح الطري حتى 2019، لكنها اليوم خارج السوق بسبب المنافسة الروسية والأوكرانية.
وفي مقابل هذا التراجع الفرنسي، صعدت إيطاليا كلاعب اقتصادي جديد، خصوصًا بعد وصول جورجيا ميلوني إلى رئاسة الحكومة، حيث تُوّجت زياراتها المتكررة للجزائر بعقد شراكات استراتيجية في الزراعة ونقل التكنولوجيا، تزامنًا مع دخول شركة FIAT الإيطالية إلى السوق الجزائرية، في وقت توقف فيه مصنع Renault بوهران، الذي تأسس سنة 2014 باستثمار بلغ 50 مليون يورو.