حسمت المحكمة الدستورية بشكل نهائي الجدل في شأن ما خلفته عقوبات « التشكيك » التي تمس بسلامة العملية الانتخابية، من مواقف مستنكرة. مشددة أن أحكام المادة 51 مكررة من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، والتي تنص على معاقبة كل من يوزع أقوالًا منسوبة إلى أشخاص دون موافقتهم أو بث وقائع كاذبة، بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم، لا تخالف الدستور ومبررة بغاية مشروعة، واستوفت متطلبات الضرورة في تحديد الجرائم والتناسب في الجزاء المطبق عليها، مما تكون معه المادة المعروضة غير مخالفة للدستور.
وعللت المحكمة قرارها بكون ضمان صدق العمليات الانتخابية، يتم باتخاذ مقتضيات تشريعية من شأنها زجر المناورات التدليسية التي تهدف إلى تضليل الناخبين والتأثير على إرادتهم، ولاسيما بصناعة ونشر محتويات كاذبة أو مزيفة.
واستندت المحكمة في ذلك، على أن الدستور ينص في الفقرة الخامسة من الفصل 11 منه، على أنه: « كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بـ…صدق… العمليات الانتخابية يعاقب على ذلك بمقتضى القانون »، وفي الفقرة الأولى من الفصل 24 منه أيضا، على أن: « لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة »، كما أنه في الفقرة الأولى من الفصل 25 منه، نص أيضا على أن: « حرية… التعبير مكفولة بكل أشكالها »، وفي الفقرة الأولى من الفصل 132 منه، أكد على أن المحكمة الدستورية « تبت … في صحة انتخاب أعضاء البرلمان… ».
وأوضحت المحكمة الدستورية على خلفية إصدارها قرارا بخصوص القانون التنظيمي رقم 53.25 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، بأن نطاق الحماية القانونية للحق في الحياة الخاصة، المكفول بمقتضى الدستور، يشمل أيضا الأعمال المندرجة في الدعاية الانتخابية.
واعتبرت المحكمة ذاتها، أن احتدام التنافس الذي يطبع الحملات الانتخابية يجب أن لا ينحرف عن ضوابط احترام كرامة الآخرين، التي يتعين أن تحكم حرية التعبير والنقد المسموح بهما في ممارسة الدعاية الانتخابية، كيفما كانت طبيعة الدعامات وشكلها ووسائل التواصل المستعملة في هذه الدعاية، والمواد والمحتويات المنشورة عبرها.
وقالت المحكمة إن العمليات الانتخابية المجراة وفق القانون، محمولة على قرينة الصحة والنظامية، مما يترتب عنه أن المنازعة في نتائجها تتم أمام القضاء الانتخابي المختص، وهي المحكمة الدستورية في حالة القانون التنظيمي المعروض، ووفق الأوضاع الإجرائية المقررة في القانون، وأنه يقع على عاتق الطرف الذي ينازع في العملية الانتخابية المعنية الإدلاء بما يراه إثباتا لمآخذه بشأنها، بمناسبة دعاوى انتخابية، إنفاذا لضمانة التقاضي في المادة الانتخابية المكفولة بموجب الدستور، والمنظمة بالقانون.
واعتبرت المحكمة معللة قرارها، بأن أحكام المادة 51 المكررة المثيرة للجدل، المتخذة عملا بأحكام الدستور التي سبق بيانها، حددت العناصر التكوينية للجرائم الانتخابية التي أتت لزجرها، كما اندرج هذا التحديد ضمن الغايات والأهداف الدستورية التي اتخذت من أجلها، وراعى، فيما يخص القصد الجنائي، متطلبات حماية الحياة الخاصة، وصدق ونزاهة العمليات الانتخابية، كيفما كانت الدعامات والأدوات المستعملة في الدعاية الانتخابية، ولم يمس بحرية الصحافة المكفولة بمقتضى الفصل 28 من الدستور، ولا بالأنشطة الصحفية المهنية المشروعة التي تمارس بحسن نية وتستند إلى التحقق من المعلومة.
إلى ذلك، كانت المحكمة الدستورية أصدرت اليوم الخميس، قرارين بخصوص القانون التنظيمي رقم 54.25 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، والقانون التنظيمي رقم 53.25 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، معتبرة أنه « ليس فيهما ما يخالف الدستور».
وجاء القرار بعد اطلاعها على القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، والقانون التنظيمي لمجلس النواب المحال إليها برسالة رئيس الحكومة، المسجلة بالأمانة العامة لهذه المحكمة في 16 ديسمبر 2025، وذلك من أجل البت في مطابقته للدستور، عملا بأحكام الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور، على وجه الاستعجال، طبقا للفقرة الرابعة منه، وهو ما استجابت له هذه المحكمة.