أراء وأفكار وتحليل

اللائحة السوداء بين الأمس واليوم

 

د.جمال التودي/التحدي الإفريقي

 

“رد بالك السي فلان، ودخل جواك قبل ما يزيدوا إسمك في اللائحة السوداء”.. عبارة خطيرة يرددها بعض الموالين للسلطة، أو بعض المحسوبين ضمن ذوي الجاه والحضوة بالإقليم…

كنت أظن أن عبارة “اللائحة السوداء” كانت في عهد الحرب الباردة، حيث النظام الرأسمالي يراقب دول التيار الشيوعي المعادية للغرب، الذي يصنف الدول المارقة في لائحة سوداء، لاتقاء شرها، وحصر تأثيرها في النظام الدولي…

 

أما على المستوى الوطني، كانت عبارة اللائحة المشؤومة، يهندسها ادريس البصري لحصر المعارضين للنظام السياسي، كانت هذه الفئة التي تؤرق بال المخزن، حيث يحاول المرحوم البصري تتبع خطاها من أجل منعها من ولوج المناصب الحساسة بالدولة، خصوصا أن اؤلائك المحسوبين على المارقين او المعارضين للمخزن، كانوا يمثلون طبقة مثقفة، جريئة عنيدة، تريد الإصلاح السياسي والإقتصادي وفق القواعد المتعارف عليها عالميا، ولكن ادريس البصري كان له منطق خاص به في تطويق القوى الحية…

 

كل هذا كان واضحا وله ما يبرره، في تلك الفترة، سواء على الصعيد الدولي أو الوطني، لأن الهاجس الأكبر هو المقاربة الأمنية.. ولكن ما الذي يبرر تداول إشاعة اللائحة السوداء بإقليم تاونات ؟!

 

غريب هذا الأمر، يقال بأنها تضم عناصر تتحرك في الواقع العملي والمواقع الافتراضية، خاصة المؤثرين على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، والذين ينتقدون بعض السلوكيات لبعض المدبرين أو ممثلي السلطة المتخاذلين بالإقليم…

 

ولكن السؤال المطروح، هو طبيعة التوجهات السياسية لهذه العناصر التي تحتويها تلك اللائحة السوداء، ولماذا ركزت على عشرة عناصر دون غيرهم، والعهدة على الراوي الذي وصف نفسه بمصدر موثوق به.. غير أن المفاجأة هي عندما نبشت في سيرة بعض المحسوبين على المارقين على الخط الرسمي الذي رسمته السلطة الإقليمية للمرضيين عنهم، فوجدت أن تلك العناصر من خييرة الأطر تتوفر على مستوى فكري بين الجيد واللابأس به، وسيرتها الذاتية والمسار النضالي مشرف جدا، بل تتوفر على صك حب الوطن مرتفع جدا، أشخاص يحبون ملكهم، عناصر خدومة لوطنها، كما تحترم وتدافع عن مصلحة مدينتها..

 

ولكن جرأتهم ومصداقية كتاباتهم تجعلهم، في نظر من أدرجوهم في اللائحة السوداء، أشخاص مشاغبين، أعداء النخب.. رغم أن الواقع ينفي كل ما يروج ويحاك ضد هؤلاء المناضلين الأحرار، الذين اختاروا من قول الحقيقة منهجا لهم، ومن المواجهة الصادقة فلسفتهم، ومن التروي والاحترام وسيلة للانتقاد البناء…

 

عندما سمعت بأن هناك “لائحة سوداء” تضم عشرة عناصر مغضوب عليها من طرف أعلى سلطة بالإقليم، تبادر الى ذهني عشرة أشياء عدوة للساكنة والسلطة معا، فأخذت الورقة والقلم وبدأت أصيغ هذه العناصر المشؤومة التي تستحق أن تضع لها السلطة لائحة سوداء، فجاء على بالي العناصر التالية : الفقر.. الهشاشة.. الأمية.. الجهل.. العطالة.. الفساد.. الظلم.. الحكرة.. الجفاف.. والتضخم…

 

فإذا بي أسمع صوتا خشينا من الخلف يناديني: أش كتليط القمقوم، أش كترون.. ؟!

اللائحة السوداء تضم العناصر التالية: فلان اللي كيكشف بؤر الفساد، وفرتلان اللي كينتقد البرلمانيين المحضوضين، والفاهم اللي كيعري واقع التنمية الصورية بالإقليم، والعايق اللي كيحك على الضبرة، والعايق اللي كيكتب على السيد العامل، والمدون الافتراضي الذي ينشر حقائق تعري طلاسم ضعف حصيلة المنتخبين.. بالاضافة الى الفيسبوكي الذي يفرش تورط النخب والسلطة في فشل الأوراش الكبرى دون حسيب ولا رقيب..

 

زد عليهم بعض أفراد المجتمع المدني الجرئيين الذين يسلطون الضوء على فساد بعض النخب.. دون نسيان بعض وجوه الصحافة المحلية الحرة …

 

آه، ثم آه.. ! كنت أعتقد أن اللائحة السوداء تضم العناصر المذكورة أعلاه والتي يستوجب القضاء عليها لتحقيق التنمية الإجتماعية والعدالة المجالية، استجابة لخطاب صاحب الجلالة لمواجهة الفقر والهشاشة، والبطالة وغيرها من الموبقات..

غير أنا حظنا أسود مثل سواد تلك اللائحة التي تعكس سواد قلوب من وضعوها للاسف الشديد…

 

لهؤلاء نقول: الخوف لا يرهبنا والموت لا يفنينا والجماهير التاوناتية تذكي النضال فينا، ما دمنا نحترم الثوابت الوطنية، ونسير وراء توجيهات ملكنا..

ونسلط الضوء على الأمور التي لا تخدم تنمية مدينتنا، وننتقد المظاهر السلبية التي تعطل وثيرة تقدم إقليم تاونات الأبي، الى هنا لا نخاف لومة لائم..

 

ما دام الخطاب الملكي أعطى إشارات واضحة لواضعي تلك اللاوائح بأن الأشياء السوداء التي ينبغي محاربتها هي الفقر والهشاشة والبطالة وغيرها من المشاكل التي لا تحقق العدالة المجالية والتنمية الاجتماعية..

أظن أن الرسالة واضخة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى