عندما نتناول هذا الموضوع لابد من اعتبار أن قضية مدونة الأسرة ومعها القانون الجنائي، تضع بلادنا في مفترق طرق مصيري، محدد لاستقراره ومرجعيته واستمراره وفق خصوصيته الحضارية والتاريخية والمؤسساتية.
وفي هذا المقال نحاول الإجابة على الأسئلة التالية:
ـ أولا: لماذا يضغط الغرب المسيحي لفرض نموذجه الفاشل علينا؟
ـ ثانيا: ماهي الآليات التي يستعملها الغرب المسيحي من أجل فرض نموذجه القيمي؟
ـ ثالثا: ما هو دور التيار الحداثي في تحقيق هذا الاختراق؟
رابعاً: هل نجح الضغط الحداثي في فرض نموذجه من خلال التعديلات على مدونة الأسرة؟
ـ1ـ لماذا يضغط الغرب المسيحي في اتجاه فرض نموذجه القيمي؟
هناك عدة أسباب يمكن أن تؤدي إلى ضغط الغرب على الدول الإسلامية، ومنها المغرب، لإدخال تعديلات على مدونة الأسرة التي تناقض هوية المجتمع. بعض هذه الأسباب تشمل:
أـ التأثير الثقافي والفكري:
فالغرب يعتبر نفسه حاملًا للقيم الليبرالية والديمقراطية، ويرى أن هذه القيم يجب أن تنتشر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الدول الإسلامية.
ب- القوة الاقتصادية والتفوق السياسي:
الغرب يمتلك قوة اقتصادية وسياسية كبيرة تغريه باختراق الدول الضعيفة لنهب خيراتها، خاصة منها تلك التي تملك ثروات طبيعية هامة وموقع جيوستراتيجي، ومنها المغرب، وبالتالي هو يستخدم هذه القوة للضغط على الدول الإسلامية لتقديم تنازلات في مجال حقوق الإنسان والقانون العائلي.
جـ – الرغبة في تغيير الهوية الثقافية:
الدول الغربية ترى أن الهوية الثقافية الإسلامية تتعارض مع قيمها الليبرالية والديمقراطية، بل وتنافسها من خلال تقديم نموذج مختلف بدأت طلائعه تغزو الغرب مع انتشار الدين الإسلامي هناك، وبالتالي ترغب في تغيير هذه الهوية لجعلها أكثر توافقًا مع قيمها من أجل السيطرة على مقدرات تلك الدول.
فماهي الآليات التي يستعملها الغرب المسيحي من أجل تحقيق أهدافه؟
لابد من التنويه على أن النقاش الحالي حول مدونة الأسرة يتم في سياق ضغط خارجي، متعدد الآليات، وفي إطار رؤية تغريبية خطيرة، مع تصاعد بعض المطالب، التي تقدمها بعض الجمعيات، التي تصطف تحت يافطة التيار الحداثي، والتي هي في الحقيقة رجع صدى، عن وعي للإملاءات والأجندات الخارجية.
2ـ الغرب يستعمل عدة آليات لتحقيق أهدافه في الدول الإسلامية، ومنها المغرب، فيما يتعلق بتعديل مدونة الأسرة والقوانين العائلية.
بعض هذه الآليات تشمل:
أ) الضغط السياسي: الغرب يستعمل الضغط السياسي على الدول الإسلامية لتحقيق أهدافه. يمكن أن يتم ذلك من خلال التهديد بالعقوبات الاقتصادية أو السياسية، أو من خلال تقديم الدعم السياسي والمالي للقوى السياسية التي تؤيد أهدافه؛ وعلى رأسها جمعيات المجتمع الحقوقي الحداثي.
ب) التأثير الاقتصادي: الغرب يستعمل التأثير الاقتصادي (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) على الدول الإسلامية لتحقيق أهدافه.
ج) المنظمات الدولية: الغرب يستعمل المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية، لتحقيق أهدافه في الدول الإسلامية.
هذه المنظمات يمكن أن تقدم تقارير وتوصيات تؤثر على سياسات الدول الإسلامية.
د) المنظمات غير الحكومية: الغرب يستعمل المنظمات غير الحكومية، مثل منظمة “هيومن رايتس ووتش”، لتحقيق أهدافه في الدول الإسلامية. هذه المنظمات يمكن أن تقدم تقارير وتوصيات تؤثر على سياسات الدول الإسلامية.
أيضا يتم تجنيد أدوات للتتبع، سواء عبر لجنة “سيداو” كل أربع سنوات، ثم “مؤتمر بكين” كل خمس سنوات، ثم “الاستعراض الدوري الشامل” كل خمس سنوات، بهدف فرض نموذج غربي للأسرة، غير معني باستقرارها أو تشجيعها؛ بل يبقى محكوما برؤية متمركزة حول الأنثى.
هـ) الإعلام: الغرب يستعمل الإعلام لتحقيق أهدافه في الدول الإسلامية.
يمكن أن يتم ذلك من خلال تقديم تقارير إخبارية وتحليلات تؤثر على الرأي العام في الدول الإسلامية.
ي) التأثير الثقافي: الغرب يستعمل التأثير الثقافي على الدول الإسلامية لتحقيق أهدافه:
يمكن أن يتم ذلك من خلال تقديم برامج ثقافية وتعليمية تؤثر على القيم والثقافة في الدول الإسلامية.
هذه بعض الآليات التي يستعملها الغرب لتحقيق أهدافه في الدول الإسلامية، ومنها المغرب، فيما يتعلق بتعديل مدونة الأسرة والقوانين العائلية.
ويجدر بنا التأكيد على أن أهم الأدوات التي يستعملها الغرب من أجل فرض نموذجه القيمي، هو استنفار التيار الحداثي بجمعياته ومنظماته الحقوقية في الداخل:
نعم، هناك منظمات حقوقية وتيارات حداثية في المغرب تؤيد، بل وتتماهى مع أهداف الغرب فيما يتعلق بتعديل مدونة الأسرة والقوانين العائلية.
3ـ التيار الحداثي معول هدم بيد الغرب:
أظهرت ردود الفعل القوية على منصات التواصل الاجتماعي والفني على التعديلات التي تمت مؤخرا على مدونة الأسرة بالمغرب أن هذه التعديلات لم تأخذ في الاعتبار احتياجات المجتمع المغربي بقدر ما استجابت للضغوط الدولية بدلاً من أن تكون نتيجة لتحليل عميق للمشاكل التي يعاني منها المجتمع المغربي الذي عكسته أرقام الإحصاء السكاني الأخير.
فهي لم تحاول حل المشاكل الأساسية التي يعاني منها المجتمع المغربي، مثل الفقر، والبطالة، والانقسامات الاجتماعية وظاهرة العنوسة والشيخوخة وضعف مؤشر تجديد الأجيال..
بدلاً من ذلك، يؤكد النقاد أن التعديلات التي تمت على مدونة الأسرة بالمغرب كانت محاولة لتحقيق بعض الأهداف السياسية والاقتصادية، مثل تحسين صورة المغرب على المستوى الدولي، أو جذب الاستثمارات الأجنبية.
هذا النقد يثير أسئلة مهمة حول دور الضغوط الدولية في تشكيل السياسات المحلية، ومدى تأثير هذه الضغوط على حل المشاكل الأساسية التي يعاني منها المجتمع المغربي.
الغرب يمكن أن يقدم الدعم المالي والمادي لهذه المنظمات والتيارات الحداثية ويستخدمها كأداة لتحقيق أهدافه في البلاد الإسلامية.
لذلك، من المهم أن نكون حذرين عند تقييم تأثيرات هذه المنظمات والتيارات الحداثية على المجتمع المغربي، وأن ننظر إلى الأهداف والغايات التي تتبعها هذه المنظمات والتيارات، وأن نتحقق من مدى تأثيرها على القيم والثقافة في المغرب.
والذي نرجحه أن هذه الضغوط الأجنبية والمطالب الحداثية بشأن الأسرة ستصطدم بإمارة المومنين القائمة على قاعدة “لا تحليل للحرام ولا تحريم للحلال” وبعمق الانتماء الشعبي للهوية الإسلامية وردود فعل التيار المحافظ بجمعياته ومنظماته الحقوقية وأحزابه السياسية..