صادقت الحكومة، اليوم الثلاثاء على مرسوم جديد يقضي بإقرار إعانة شهرية لفائدة الأطفال اليتامى والأطفال المهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية، في خطوة تندرج ضمن تنزيل ورش الدولة الاجتماعية وتفعيل نظام الدعم الاجتماعي المباشر، ويهمّ فئة ظلت خارج منظومة الاستهداف المالي المباشر رغم هشاشتها المركبة.
ويأتي هذا المرسوم، بمبادرة من الوزير فوزي لقجع، ليقر منحة شهرية بقيمة 500 درهم تُودَع في حسابات خاصة باسم الأطفال لدى صندوق الإيداع والتدبير، وفق شروط ومعايير دقيقة، مع ضمان صرف مبلغ إجمالي لا يقل عن 10 آلاف درهم عند بلوغ سن الرشد القانونية، في أفق تعزيز الإدماج الاجتماعي وحماية حقوق الأطفال داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية وخارجها.
المرسوم الذي أعده الوزير فوزي لقجع بتنسيق وثيق مع وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة نعيمة بن يحيى يستند في خلفيته السياسية والتشريعية إلى التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى ترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية وتحسين شروط عيش الفئات الهشة، وفي مقدمتها الأطفال في وضعية صعبة وهو في الآن ذاته امتداد عملي لورش الحماية الاجتماعية، خاصة في شقه المتعلق بالحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، عبر إقرار دعم مباشر لفائدة الأطفال المستفيدين من خدمات مؤسسات الرعاية الاجتماعية، دون تمييز بين اليتامى والأطفال المهملين، باعتبار أن حاجاتهم متشابهة وكرامتهم واحدة وغير قابلة للتجزئة.
ويأتي هذا المرسوم أيضا في إطار استكمال النصوص التنظيمية المرتبطة بتنزيل القانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، ولا سيما المادة 16 منه، التي تنص صراحة على إقرار منحة شهرية لكل طفل داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
ويهدف هذا الإجراء إلى تعزيز جودة الرعاية داخل هذه المؤسسات، وضمان شروط إقامة ملائمة ومنصفة، وتوفير بيئة تربوية ونفسية داعمة، تمكّن الأطفال من تجاوز وضعية الهشاشة وبناء مسارات حياة أكثر استقرارًا وإيجابية.
من حيث الأهداف، يروم المرسوم إقرار منحة شهرية لفائدة كل طفل نزيل بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، بما يعزز قدرته على الاندماج في محيطه التربوي والاجتماعي، ويشكّل في الوقت نفسه جوابًا عمليًا لإشكالية إدماج هؤلاء الأطفال بعد تجاوزهم سن الثامنة عشرة، وهي إحدى أعقد نقاط الضعف التي ظلت ترافق منظومة الرعاية الاجتماعية. كما يؤسس المرسوم لنظام دعم قائم على الاستهداف الدقيق والشفافية في التتبع والتدبير، من خلال تحديد مبالغ الإعانة، وشروط الاستفادة، ومعاييرها، وكيفيات صرفها لفائدة الأطفال اليتامى والأطفال المهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية الذين لم يشملهم برنامج الدعم الاجتماعي المباشر الموجَّه للأسر في وضعية هشاشة.
وقد روعي في صياغته خصوصية هذه الفئة، بما يضمن لها ولوجًا عادلاً ومنصفًا إلى الدعم، على غرار باقي الأطفال المستفيدين من الإعانات داخل الأسر.
أما على مستوى المقاربة المعتمدة في إعداد المرسوم، فقد جرى الحرص على تبني رؤية شمولية واضحة المعالم، تقوم على ثلاثة مرتكزات مترابطة أولها الاستهداف الموضوعي، بما يضمن توجيه الدعم مباشرة إلى الفئات المستحقة فعليًا دون وسائط.
ثانيها تعزيز الفعالية ذات الأثر الاجتماعي عبر آليات دقيقة تجعل من هذا الدعم رافعة لتحسين ملموس في شروط عيش الأطفال خصوصا بعد مغادرتهم مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
أما المرتكز الثالث فيتعلق بضمان الاستدامة المالية، بما يحفظ لهذا الإجراء طابعه البنيوي ويؤمّن استمراريته داخل منظومة الحماية الاجتماعية، بعيدا عن الحلول المؤقتة أو الظرفية.
وسيتم تنزيل هذا المرسوم في إطار تنسيق مؤسساتي محكم، يجمع بين القطاع الحكومي المكلف بالتنمية الاجتماعية، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، والقطاعات المالية والإدارية المعنية.
ويهدف هذا التنسيق إلى ضمان وصول المنحة إلى مستحقيها في الآجال والشروط المحددة، مع إرساء نظام دقيق لتتبع مسار استفادة الأطفال، قائم على مبادئ الحكامة الجيدة والنزاهة، والشفافية، بما يجعل مختلف مراحل هذا المسار قابلة للتقييم والتحسين المستمر.
وفي ما يتعلق بشروط الاستفادة، يحدد المرسوم بدقة الشروط الخاصة بالطفل اليتيم نزيل مؤسسة الرعاية الاجتماعية، والتي تشمل أن يكون مغربي الجنسية، ومقيدا بالسجل الوطني للسكان، وألا يكون مستفيدا من التعويضات العائلية، وألا يكون مستفيدا من منحة دراسية.
وفي حالة الاستفادة من منحة دراسية يقل مجموعها السنوي عن المبلغ السنوي للإعانة الخاصة، يُصرف للمعني بالأمر الفرق بين المبلغين أما الطفل المهمل نزيل مؤسسة الرعاية الاجتماعية فتسري عليه نفس الشروط مع ضرورة صدور حكم قضائي نهائي يصرّح بإهماله.
ويحدد المرسوم مبلغ الإعانة في 500 درهم شهريًا، تُودَع في حساب يُفتح باسم الطفل لدى صندوق الإيداع والتدبير، وفق النصوص التشريعية المؤطرة لتدبير أموال القاصرين ويحق للمستفيد، عند بلوغه سن الرشد القانونية سحب مجموع المبلغ المودع، على ألا يقل المبلغ الإجمالي الذي سيُصرف له عن 10.000 درهم، وهو ما يمنح لهذا الدعم بعدًا ادخاريًا واستثماريًا في المستقبل الشخصي للطفل، وليس مجرد مساعدة استهلاكية آنية.
وعلى مستوى التنسيق بين مختلف الفاعلين، جرى بالتوازي مع إعداد مشروع المرسوم، إحداث منصتين رقميتين الأولى على مستوى الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، والثانية على مستوى الوزارة عبر مؤسسة التعاون الوطني، بهدف تجميع وتوفير المعطيات المتعلقة بالأطفال اليتامى والأطفال المهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية المرشحين للاستفادة من الدعم.
وفي هذا الإطار، يُناط بمديري مؤسسات الرعاية الاجتماعية دور محوري في مسطرة حصول الأطفال المستوفين للشروط على الدعم، وتتبع وضعياتهم إلى حين بلوغهم سن الرشد القانوني، مع ضرورة استمرار مراقبة استيفاء الشروط والتصريح بكل تغيير يطرأ على وضعياتهم.
ولتيسير عملية التصريح واستباق الصعوبات المحتملة، تولّت الوزارة، عبر مؤسسة التعاون الوطني مهمة استقاء مجموعة من المعطيات المتوافق بشأنها مع مصالح الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية والوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي والمتعلقة بالأطفال اليتامى والأطفال المهملين على أن تُوضَع هذه المعطيات رهن إشارة الوكالة في صيغة رقمية قابلة للاستغلال ضمن منظومتها الرقمية.
وتمر عملية تدبير الدعم بعدة مراحل متسلسلة، تشمل تجميع المعطيات من طرف المصالح الترابية للتعاون الوطني، وإحالتها إلى الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي عبر المصالح المختصة بالوزارة ثم إدراجها داخل المنظومة الرقمية للوكالة بعد التحقق من صحتها لدى الجهات المعنية ولا سيما الوكالة الوطنية للسجلات قبل تمكين مديري المؤسسات من إيداع طلبات الاستفادة وفتح الحسابات المصرفية، وأخيرا تحويل مبالغ الدعم الشهرية إلى الحسابات الخاصة بالأطفال المستفيدين.
ولا ينفصل هذا المرسوم عن إصلاحات موازية قيد الإنجاز، تروم تأهيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية من حيث البنيات والتجهيزات وجودة الخدمات، والارتقاء بالموارد البشرية المشرفة على تدبيرها، بما ينسجم مع أحكام القانون 65.15 المؤطر لها، ومعايير تحترم كرامة الأطفال وتستجيب لاحتياجاتهم الأساسية.
كما تعمل وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على إعداد برنامج خاص لمواكبة الأطفال بعد مغادرتهم مؤسسات الرعاية الاجتماعية، بما يضمن إدماجهم الاجتماعي والاقتصادي، ويعزز استقلاليتهم وقدرتهم على الاندماج الكامل في المجتمع.
وبهذا المعنى، يبدو المرسوم لبنة أساسية في إعادة صياغة السياسة العمومية تجاه الطفولة في وضعية هشاشة، ضمن تصور متكامل للدولة الاجتماعية، حيث تتحول المبادرة السياسية والمالية التي حمل توقيع فوزي لقجع، إلى أداة لإعادة بناء المسار الحياتي للأطفال الأكثر عرضة للتهميش على قاعدة الحق والإنصاف والاستدامة.