البيان العام الختامي الصادر عن الدورة الخمسين للمجلس الوطني لحزب جبهة القوى الديمقراطية
إن المجلس الوطني لحزب جبهة القوى الديمقراطية الملتئم في إطار الدورة الخمسين، تحت شعار: ” فعل سياسي مسؤول وواقعي: ثبات المبادئ والقيم وتجديد الفكر والممارسة”، يوم الأحد يوم 11 يونيو 2023، بمدينة فاس.
وبعد تداوله بشأن تطورات الوضع الدولي التي اتخذت في هذه المرحلة منعطفا قاتما، ينذر بمخاطر جديدة وكبيرة، يصعب التنبؤ بمالاتها، بعد أن أصبحت النزوعات الفاشية واضحة، كما أن الحشد العسكري والعنف واللجوء والعنصرية والاحتكار، والعديد من الممارسات، التي تعهد المجتمع الإنساني تحييدها، أصبحت اعتيادية في العديد من مناطق العالم، مما أضحى معه التمايز الفكري والسياسي واضحا، وأضحت الفكرة اليسارية التحررية حاجة مجتمعية ملحة.
وبعد تحليله لتطورات السياق الوطني، بما يتطلبه من يقظة ومهام وطنية كبيرة، من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية، وإعطاء الدستور دورا مهيكلا في ورش الإصلاحات الكبرى، عبر تأويله تأويلا ديمقراطيا، بهدف بناء الدولة الاجتماعية الحاضنة، وضمان التنمية المتوازنة والمستدامة، التي من شأنها التخفيف وطأة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتأزمة التي يواجهها المغرب، والتي يجب أن تكون في الواقع حلقات متتابعة من المنجزات الملموسة والمحسوسة، يستفيد منها المواطن، وتعيد له الثقة، وتعزز المناعة الوطنية للصمود في وجه تقلبات وصعوبات الظرفية العالمية الدقيقة.
وتبعا لما أقره في رسم الخطة السياسية والتنظيمية والنضالية المواتية لتنفيذ مقررات المؤتمر الوطني السادس، المنعقد أيام 25 و26 و27 مارس 2022 بمدينة العيون، ومضامين استراتيجية انبثاق بشأن تأهيل وإنجاز مهام الثورة الفكرية في ممارسته السياسية والنضالية، إنطلاقا من الثبات على المبادئ والقيم وتجديد الفعل القادر على بحث الأسئلة المقلقة التي تهم الواقع اليومي للمواطن المغربي.
فإن المجلس الوطني لحزب جبهة القوى الديمقراطية وبعد مصادقته بالإجماع على التقرير الذي قدمه الأخ الأمين العام المصطفى بنعلي أمام الدورة الخمسين يعلن ما يلي:
- تخوفه من تطورات الحرب في أوكرانيا التي تهدد بكوارث إنسانية وبيئية ومن مآلات بؤر التوتر والقتال المسلح في العديد من مناطق العالم، وخاصة في السودان وفي مناطق أخرى إفريقية، بما يزكي قراءة الحزب الواقعية للعلاقات الدولية وللتحولات الجيوستراتيجية التي يكاد أن لا يبقى فيها دورا للأعراف والقيم والمؤسسات الدولية لمنع الحروب والنزاعات المسلحة، بما يطرح ضرورة العمل على التسوية السياسية السلمية لمختلف بؤر التوتر لتفادي استفحال المعضلة الأمنية الدولية، وترسيخ السلم والأمن والأمان وبناء الفضاء الإنساني العام المتعالي عن العنف والتفرقة.
- قلقه المتزايد من ضبابية المرحلة، التي دخلها العالم إثر الجائحة الوبائية، خصوصا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث تعرض الاقتصاد العالمي، الضعيف أصلا جراء تدابير الاغلاق وانقطاع سلاسل التوريد، إلى صدمات متتالية مقلقة، وبدأت المخاطر تتحقق على أرض الواقع، فتباطأ النمو، وارتفع التضخم، وبلغت أسعار الطاقة والغذاء مستويات قياسية. وشرعت الحكومات، تبعا لذلك، تتبع سياسات مغايرة لإيديولوجيات العولمة، المبشرة بخلق سوق عالمية، وفتح الحدود أمام تنقل الرساميل والبضائع والبشر، بما ينذر بدخول النيوليبرالية المتوحشة أزمتها الكبرى الشبيهة لتلك التي تسبق انهيارها.
- ارتياحه في ظل السياق الدولي المتفجر لقرار محكمة الاستئناف بلندن بما يقدمه من وثيقة قانونية تفند كل المزاعم والمغالطات التي يتبناها خصوم وحدتنا الوطنية، وللعديد من القرارات التي تؤشر على وعي المنتظم الدولي بجوهر النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، بما تشدد عليه من حاجة حيوية إلى الوصول إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم، عبر تحفيز الحوار ودعوة الأطراف المعنية للمشاركة الإيجابية في الموائد المستديرة، وبما يعبر عنه من ثقة المنتظم الدولي في مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية كأساس جدي وذا مصداقية في الوصول لهذا الحل السلمي، الذي من شأنه تعزيز الأمن وإطلاق قاطرة التنمية بالمنطقة؛
- إشادته بجهود الديبلوماسية المغربية في إحباط المناورات الرامية الإضرار بمصالح المغرب العليا ودعوتها إلى المزيد من التعبئة واليقظة لمجابهة أعداء المغرب الظاهرين والمندسين وإفشال مخططاتهم لزراعة بذور الشقاق المناوئة لوحدة الصف العربي والإفريقي، وتثمينه للحكمة المغربية في الحرص على المشاركة الإيجابية في الإطار المؤسساتي الإفريقي وفي القمم العربية، مع الترحيب بدعم هذه القمم للجهود المتواصلة التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل الدفاع عن القدس وتقديم العون للمقدسيين.
وبرفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية؛
- إشادته بجهود الديبلوماسية المغربية في إحباط المناورات الرامية الإضرار بمصالح المغرب العليا ودعوتها إلى المزيد من التعبئة واليقظة لمجابهة أعداء المغرب الظاهرين والمندسين وإفشال مخططاتهم لزراعة بذور الشقاق المناوئة لوحدة الصف العربي والإفريقي، وتثمينه للحكمة المغربية في الحرص على المشاركة الإيجابية في الإطار المؤسساتي الإفريقي وفي القمم العربية، مع الترحيب بدعم هذه القمم للجهود المتواصلة التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل الدفاع عن القدس وتقديم العون للمقدسيين.
- استعداده للعمل من أجل وحدة اليسار المغربي وتعزيز التقدمية المغربية، بالنظر لحاجة الأوراش الكبرى المفتوحة ببلادنا إلى المساهمة الفاعلة لقوى اليسار، انطلاقا من الاصطفاف المبدئي الواضح، وفي مقدمتها وضع وترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية، ومباشرة إصلاحات قانونية مهيكلة، ترتبط بمراجعة مدونتي الأسرة والقانون الجنائي، وبإقرار وتنزيل قوانين الإطار، كتلك الخاصة بالتعليم والصحة والاستثمار، إضافة إلى العديد من الأوراش التي يمكن أن تشكل قاعدة للاقتصاد التضامني، كذلك الذي فتح لتأهيل أراضي الجموع، وتأمين المخزون الوطني الاستراتيجي، وغيرها من الأوراش التي من شأن مساهمة اليسار الرفع من سقف الطموح والتطلعات بشأنها؛
- مطالبته الحكومة والبرلمان في إطار الحوار المؤسساتي الديمقراطي المسؤول والتضامني ببلورة مقاربات وحلول تعبر عن إرادة سياسية حقيقية، للرفع من وتيرة النمو والحفاظ على منسوب السلم الاجتماعي، ميزانية تتناسب مع حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، ولا تخدم مصالح طبقة معينة على حساب الفئات الهشة والمعدمة وما تبقى من الطبقة الوسطى، بما يجب أن تكون عليه من سياسات عمومية تدعم قوة العمل وتحارب الريع وتحافظ على القوة الشرائية للمواطنين، عبر محاربة التضخم الواقعي لا المحاسباتي، والابتعاد عن حسابات التوازنات المالية المكرسة لنهج التقشف في الخدمات العمومية؛
- تضامنه مع كل الحركات الاحتجاجية المشروعة وكل التعبيرات السلمية في المغرب للترافع من أجل الفئات المتضررة حقوقها من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والتي لا تعبر فقط عن رد الفعل اتجاه ظلم الأوضاع الاجتماعية والسياسية، التي تعاني منها شرائج اجتماعية واسعة، بل تعبر عن يقظة شعبية، وترسخ الحق في التعبير عن التعدد، الذي يميز المجتمع المغربي، مع مطالبة الحكومة بالتعبير عن رغبة جادة في إقامة حوار اجتماعي مسؤول مستدام ومفتوح على مقترحات الشركاء الاجتماعيين، بما من شأنه تحصين مقومات السلم الاجتماعي وتعضيد البناء الديمقراطي الوطني؛
- مصادقته على عمل خطة عمل الفكرية والسياسية والتنظيمية للمرحلة المقبلة من أجل إنجاز مهام الثورة الثقافية في أداء الحزب لمهامه، بما يعكس الإرادة الأكيدة لاستثمار الرصيد السياسي والنضالي والتنظيمي الذي راكمه الحزب على مدار أزيد من ربع قرن في خدمة الشعب والوطن. ومباركته للدينامية السياسية والتنظيمية المنبثقة عن المؤتمر الوطني السادس، من أجل استنهاض العمل الجماعي المنظم، عبر تثمين قيم الانفتاح الفكري والتنظيمي، وتعزيز التشاركية وتلازم المسؤولية بالمحاسبة، وترسيخ نهج تكافؤ الفرص والتجديد المنتظم لعمل وتكوين أجهزة الحزب، وتشجيع النقاش الحر والنقد الذاتي البناء ومحاربة كل أشكال التشويش.
وحرر بفاس يوم الأحد 11 يونيو 2023.