في سياق يطغى عليه تنامي الإحساس بالتهميش والخيبة، كشف تقرير حديث صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي معطيات مقلقة بشأن علاقة المواطنات والمواطنين المغاربة بالحياة العامة، وعلى رأسها المشاركة في تدبير الشأن العام، سواء عبر الآليات التقليدية أو التشاركية، حيث رسم التقرير صورة قاتمة لواقع المشاركة السياسية والمدنية، حين أضحى التشكيك في الجدوى هو العنوان الأبرز.
فبحسب المعطيات التي وردت في التقرير الذي توصلت “آشكاين” بنسخة منه، يرى 63% من المستجوبين أن مشاركتهم في الشأن العام “لا فائدة منها” أو أن “صوتهم لن يغير شيئاً”، وهو رقم صادم يعكس، بحسب التقرير، أزمة ثقة عميقة بين المواطنين والمؤسسات. أزمةٌ لا تخص المغرب وحده، بل هي، كما أشار المجلس، سمة تشترك فيها العديد من الديمقراطيات المعاصرة، حيث تنبع من اتساع الهوة بين تطلعات المواطنين ووتيرة الاستجابة لها، إن وُجدت.
انعدام الثقةوضعف الإنخراط
الأزمة لا تتوقف عند مستوى المواقف والتصورات، بل تتجلى عمليًا في نسب مشاركة جد متدنية. فحسب البحث الميداني الذي أنجزه المجلس، لم يشارك سوى 7% من المستجوبين في أي نشاط يهم الشأن العام خلال السنتين الأخيرتين، وتنخفض هذه النسبة إلى 3% فقط لدى فئة الشباب بين 15 و24 سنة وكذا لدى من تزيد أعمارهم عن 65 سنة. أما على مستوى الانخراط في الجمعيات، فلا تتجاوز النسبة العامة 5%، وترتفع بالكاد إلى 9% في أحسن الأحوال.
في تعليقه على هذه الأرقام، يشير التقرير إلى أن الإحباط من غياب الأثر العملي للمشاركة هو العامل الأساسي وراء هذا العزوف. حيث عبّر العديد من المشاركين في المجموعات البؤرية التي استند إليها التقرير عن إحساسهم بأن صوتهم “لا يُحتسب”، وأن المؤسسات “تتجاهل التفاعلات”، حتى عندما تُبذل مجهودات للتعبير عنها على منصات الإنترنت أو خلال اللقاء ات المباشرة.
غياب التحفيز وتعقيد المساطر
ليست أزمة الثقة وحدها ما يقف عائقاً أمام المشاركة المواطِنة، بل يُضاف إليها ضعف في الوعي بآليات المشاركة وتعقيد المساطر التنظيمية. فـ50% من المستجوبين صرحوا بأنهم لا يعرفون كيف يشاركون أصلاً، فيما قال 31% إنهم لا يشعرون بأنهم معنيون بالمشاركة. هذه الأرقام تكشف فشلًا مزدوجًا: الأول على مستوى التواصل المؤسساتي والتوعية، والثاني على مستوى التربية على المواطنة الفاعلة.
في هذا السياق، يعتبر المجلس أن ضعف وسائل التحسيس والإعلام بلغة مفهومة ومبسطة يقف عائقاً أساسياً، حيث لا تتوفر فئات واسعة من المواطنين على الأدوات الضرورية لفهم الميكانيزمات التشاركية أو الانخراط فيها. كما أن غياب المعطيات الكافية حول الرهانات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تواجهها البلاد يجعل المشاركة في نظر الكثيرين بلا معنى أو دون جدوى واضحة.
استثناء ظرفي ودروس من الجائحة
رغم الصورة القاتمة التي يرسمها التقرير، إلا أنه يشير إلى استثناء مهم تمثل في فترة جائحة كوفيد 19. فقد شهدت تلك المرحلة مؤشرات على تعافي منسوب الثقة، بفضل تدخلات عمومية مباشرة وملموسة، كالدعم الاجتماعي وتوفير اللقاحات. وهو ما يدل، بحسب التقرير، على أن ثقة المواطنين قابلة للاسترجاع، لكنها مشروطة بمدى استجابة الدولة لمتطلباتهم بطريقة فعالة وسريعة وشفافة.
وفي ضوء هذه المعطيات، يطرح التقرير إشكالية مركزية تتمثل في كيف يمكن إعادة بناء الثقة وتعزيز مشاركة المواطنات والمواطنين؟ حيث أن التحدي الأكبر أمام صناع القرار لم يعد فقط توسيع قنوات المشاركة، بل ضمان فعاليتها وجدواها، وربطها بنتائج ملموسة على أرض الواقع. ذلك أن المشاركة تصبح عبثًا في نظر المواطن، حين يتحول التعبير إلى طقس رمزي لا صدى له في السياسات العمومية.