الصحة والطب

أسعار الأدوية في المغرب.. أرباح خيالية وإصلاحات تواجه بطء التنفيذ

يستمر الجدل في المغرب حول أسعار الأدوية، بعد أن كشفت معطيات رسمية عن هوامش ربح ضخمة لدى بعض الشركات، قد تصل إلى 300%، في وقتٍ تشكو فيه فئات واسعة من المواطنين من غلاء الأدوية وتراجع قدرتها الشرائية، مما يعمق أزمة الولوج إلى العلاج ويهدد استدامة التغطية الصحية الشاملة.

رغم إعلان وزارة الصحة عن تخفيضات شملت أسعار 17 دواءً، تتراوح ما بين 4 و319 درهمًا، اعتبرت جمعيات حماية المستهلك هذه الخطوة “غير كافية”، ووصفتها بـ”الرمزية”، خاصة أن غالبية التخفيضات لا تتجاوز 20 درهمًا، بل تصل أحيانًا إلى 17 درهمًا فقط، الأمر الذي وصف بأنه “محدود الأثر” بالنسبة للأدوية الأكثر استهلاكًا.

 

المفارقة أن المرسوم المنظم لتسعير الأدوية في المغرب ينص على عدم تجاوز أسعار الأدوية المستوردة أو المصنعة محليًا لنظيراتها في عدد من الدول المرجعية، بينها فرنسا وإسبانيا وبلجيكا. لكن واقع السوق يكشف تجاوزات صادمة، حيث تُباع بعض الأدوية في المغرب بأسعار أعلى من نظيرتها في دول أوروبية، رغم الفارق الشاسع في مستوى الدخل الفردي والقدرة الشرائية.

 

دراسة أنجزها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، بالتعاون مع إدارة الجمارك، أكدت أن أسعار عدد كبير من الأدوية في السوق المحلية أعلى من الأسعار المصرح بها في الجمارك، بل وأعلى مما هو معمول به في فرنسا وبلجيكا، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مدى احترام الضوابط القانونية لتسعير الأدوية.

في محاولة لتخفيف عبء الأسعار، جاء قانون المالية لسنة 2024 بإجراء نوعي تمثل في إعفاء جميع الأدوية من الضريبة على القيمة المضافة، بعد أن كانت نسبة 85% من الأدوية خاضعة لضريبة 7%. ورغم أن هذا الإجراء وفر نحو مليار درهم لصالح المرضى وصناديق التأمين، إلا أن المستلزمات الطبية ما تزال خاضعة لضريبة 20%، ما يثقل الكلفة الإجمالية للعلاج.

الأدوية الجنيسة والمماثلات البيولوجية تُطرح كحل جذري لتقليص الإنفاق وضمان الولوج العادل للعلاج. وتُظهر البيانات أن هذه الفئة شكّلت نحو 56.6% من حيث الحجم و49% من حيث القيمة من الأدوية المباعة عام 2023، وأسهمت في توفير 4.54 مليار درهم من النفقات.

لكن رغم هذا الدور، لم تصل نسبة الأدوية الجنيسة في السوق إلى مستويات البلدان الرائدة في هذا المجال، إذ يرى مختصون أنه يمكن رفع هذه النسبة إلى ما بين 70 و80%، شريطة تبني سياسة وطنية حقيقية تدعم التصنيع المحلي وتحفز استعمال الأدوية الجنيسة.

وفي خضم هذا الوضع، أُنشئت مؤسستان جديدتان يُنتظر أن تلعبا دورًا مفصليًا في إصلاح القطاع: الهيئة العليا للصحة، التي ستصبح المرجع الرئيسي في تحديد السياسات الصحية وضمان الجودة، والوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، التي ستتولى تحديد أسعار الأدوية بشكل شفاف، وتتمتع باستقلالية مالية وإدارية، بما يمكنها من التصدي لاختلالات التسعير.

– مستقبل غامض بين الإصلاح والبقاء على الوضع الراهن

مع تعميم التغطية الصحية وتوسيع دائرة المستفيدين إلى أكثر من 36 مليون شخص، تزداد الحاجة إلى أدوية بأسعار عادلة ومستدامة، حتى لا يتحول هذا التوسع إلى عبء مالي يهدد ديمومة النظام الصحي.

يبقى السؤال المحوري: هل تملك الجهات المسؤولة الإرادة السياسية والقدرة التقنية الكافية لتطبيق إصلاح شامل وفعّال، يعيد التوازن بين حق المواطن في الدواء وقدرة الدولة على تأمينه؟ أم أن مصالح الفاعلين في السوق ستبقى حجر عثرة أمام كل محاولة جادة للإصلاح؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى