مصطفى الجمري/التحدي الافريقي
يُعدّ دوار الحكاكمة المعاشات أولاد سيدي سعيد معاشوا من الدواوير ذات الامتداد التاريخي العريق بمنطقة المزامزة، التابعة لجماعة الغنيميين بإقليم برشيد. وتؤكد الروايات المتداولة محليًا، إلى جانب الذاكرة الجماعية للساكنة، أن أصل هذه السلالة يعود إلى الشرفاء الأدارسة الذين نزحوا إلى المنطقة واستقروا بها منذ قرون، فكانوا جزءًا من نسيجها الاجتماعي والثقافي، وحافظوا على مكانتهم الروحية والرمزية عبر الأجيال.
جذور ضاربة في التاريخ
لم يكن وجود الحكاكمة المعاشات وجودًا عابرًا، بل ارتبط بالاستقرار والفلاحة وخدمة المجال، وشكّل الدوار عبر سنين طويلة موطنًا أصليًا لأبنائه، حيث تناقلت الأجيال الأرض والهوية والانتماء، في انسجام مع محيطها القبلي والجهوي.
ريادة مبكرة في التعليم بعد الاستقلال.
ومن المحطات المشرّفة في تاريخ الدوار، كونه كان من أوائل المناطق التي ساهمت بعد الاستقلال في دعم التعليم الابتدائي، إذ قامت الساكنة بتفويت قطعة أرضية من أجل بناء المدرسة المركزية للمعاشات، إيمانًا منها بأن التعليم هو أساس التنمية وبناء الإنسان.
وقد تحولت هذه المؤسسة إلى منارة علمية تخرّج منها رجال ونساء حملوا عبء الوطن، وأسهموا في مختلف القطاعات، وظلوا شاهدين على الدور الريادي الذي لعبته المنطقة في تكوين أجيال ما بعد الاستقلال.
من الريادة إلى التهميش.
ورغم هذا الرصيد التاريخي والوطني، فقد عرفت المنطقة، في العقود الأخيرة، تراجعًا تنمويًا واضحًا، حيث طالها التهميش والإقصاء، خاصة على مستوى البنية التحتية والمسالك الطرقية.
فالدوار:
– يعاني من غياب مسالك طرقية صالحة،
– يعيش عزلة خانقة خلال فصل الشتاء بسبب الأوحال،
– يواجه صعوبات كبيرة في الولوج إلى مستشفى القرب،
– كما يصبح التسوق وقضاء الحاجيات الأساسية معاناة يومية حقيقية.
وفي كل موسم شتاء، تظل الساكنة في حالة ترقّب وقلق، خوفًا من انقطاع السبل، وحرمانها من أبسط شروط العيش الكريم، في ظل ضعف البنية التحتية وغياب تدخلات ملموسة.
صبر نفد وكرامة تُستعاد.
لقد طال أمد هذا الوضع، ومعه طال صبر الساكنة. واليوم، طفح الكيل، وأصبح شباب الدوار وشيوخه ونساؤه مقتنعين بأن النضال السلمي والمشروع هو الخيار الوحيد لرفع الضرر، وإنهاء سنوات من الإهمال والتهميش.
فالمطالب واضحة ومشروعة:
– فك العزلة،
– تأهيل المسالك الطرقية،
– ضمان الولوج إلى الخدمات الصحية،
– ورد الاعتبار لمنطقة أعطت الكثير للوطن ولم تنل إلا القليل.
نداء إلى الجهات المسؤولة.
إن دوار الحكاكمة المعاشات، بما يحمله من شرف النسب، وصدق الانتماء، وعمق التاريخ، لا يطلب سوى الإنصاف. وهي منطقة شريفة وصابرة، لكن صبرها بلغ مداه، ولا منقذ لها اليوم سوى التدخل الجاد والمسؤول لإنهاء سنوات من الحيف.
لقد آن الأوان لرد الاعتبار لهذه المنطقة، وجعلها شريكة فعلية في التنمية، بدل تركها على هامش الاهتمام.