
خيّم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمقاطعة قمة مجموعة العشرين المنعقدة في جوهانسبرغ على أجواء الاجتماع الدولي، الذي كانت جنوب إفريقيا تراهن عليه لإبراز ثقلها الدبلوماسي وتعزيز حضورها الاقتصادي ضمن نادي الاقتصادات الكبرى. فبعدما كانت بريتوريا تستعد لاحتفالية سياسية تُتوج رئاستها للقمة، باغت ترامب العواصم المشاركة بإعلانه الانسحاب الكامل؛ الشيء الذي شكل إضعافا للرسالة التي سعت جنوب إفريقيا إلى تمريرها بشأن موقعها بين مجموعة “بريكس” وشركائها الغربيين.
وعلى الرغم من هذا الارتباك، فإن دول مجموعة العشرين حافظت على نهجها التقليدي، برفض تسييس المنتدى الاقتصادي العالمي أو إدراج ملفات خلافية لا تدخل ضمن أولوياته؛ وهو ما أسقط محاولات الجزائر وبريتوريا إدراج نزاع الصحراء ضمن وثائق القمة.
واكتفى الإعلان الختامي الصادر عقب انتهاء أشغال القمة المنعقدة يومي 22 و23 نونبر الجاري بالتشديد على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، والالتزام بالحلول السلمية للنزاعات، والتركيز على الأزمات الأكثر إلحاحا مثل السودان والكونغو الديمقراطية وفلسطين وأوكرانيا، دون أي ذكر لنزاع الصحراء المغربية المفتعل.
عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، قال إن غياب ملف نزاع الصحراء المغربية ضمن فقرات البيان الختامي لمجموعة العشرين يبرز منسوب الاقتناع الدولي المتزايد بشرعية المطالب المغربية في بسط سيادتها على أقاليمها الجنوبية، وتنقية النقاشات داخل المنتديات العالمية البارزة، إلى جانب التحول الحاصل في الذهنية الدولية بشأن التمييز بين قضايا إنهاء الاستعمار ومطالب حماية السلامة الإقليمية واستكمال الوحدة الترابية للدول.
وأضاف الكاين، في تصريح أن الغياب الملحوظ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولجوء جنوب إفريقيا إلى دبلوماسية رمزية في ارتباط بقضية الصحراء المغربية يعكسان توجها مبنيا على الانتصار للدعم السياسي القائم على المصالح بدل القيم وقواعد القانون الدولي، وعلى المبادرات السياسية الرمزية التي تمنح مساحة واسعة، عوض تعزيز تطبيق القانون الدولي ونظرية السلام والممارسات الفضلى في حل النزاعات بطرق سلمية وتحقيق العدالة الإقليمية.
وتابع المتحدث ذاته: “إن عدم إدراج قضية الصحراء المغربية لا يرتبط بالنكاية في حلف الجزائر أو بإغفال نتيجة طبيعة مجموعة العشرين كمنتدى اقتصادي، وإنما بقناعة لدى مكونات التكتل بأن النزاع دخل مرحلة حاسمة تلزم الأطراف وباقي الفاعلين من دول ومنظمات وآليات الأمم المتحدة بالحياد الإيجابي والانخراط في تشجيع أطراف النزاع على المشاركة في العملية السياسية بحسن نية وبدون شروط مسبقة، وفتح مسار تفاوضي لتذليل العقبات وصولا إلى حل نهائي بناء على مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية سنة 2007”.
واعتبر المحلل السياسي نفسه أن الجزائر، رغم كونها الداعم التاريخي لتنظيم “البوليساريو” سياسيا وعسكريا، فقدت جزءا مهما من نفوذها السياسي والدبلوماسي، بعدما أصبح التحول الجيوسياسي نحو تفعيل قواعد القانون الدولي خارج الجمود الذي طبع الملف لعقود تتويجا لتزايد القبول الدولي، ومن ضمنه مواقف مجموعة العشرين، بمقترح الحكم الذاتي المغربي، مقابل اتساع رقعة الدعم الأوروبي والإفريقي للموقف المغربي.
وأكد نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية أن غياب الإشارة إلى نزاع الصحراء في البيان الختامي لقمة العشرين قد يكون مؤشرا على دخول الجزائر مرحلة عزلة دولية حقيقية؛ بالنظر إلى تملصها من التزاماتها القانونية في حماية الأشخاص المحتجزين داخل مخيمات تندوف، وعرقلتها للمبادرات والمساعي الهادفة إلى حل الصراع بشمال إفريقيا، إلى جانب نزوعها المتكرر نحو مخططات تقسيمية للإقليم.
وفي هذا السياق، سجل الكاين أن المجتمع الدولي بات أكثر نفورا من مشاريع تفتيت الدول والشعوب، وأكثر انجذابا نحو الحلول الواقعية والممكنة؛ وهو ما يفسر “تزايد الدعم الدولي للموقف المغربي وخطته السياسية بشأن الصحراء المغربية، مقابل تضاؤل المساحات الداعمة للطرح الجزائري داخل المنابر متعددة الأطراف”، وفق تعبيره.
من جهته، سجل الفاعل السياسي دداي بيبوط أن غياب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أشغال قمة مجموعة العشرين المنعقدة بجوهانسبورغ خيّم على الاجتماع، كاشفا أزمة مستفحلة في النظام العالمي تجاه تدبير المشكلات الكونية وعجزا عن معالجة القضايا الجيوسياسية الخلافية وليس فقط الملفات الاقتصادية؛ وهو ما يهدد مبادئ التعددية والعدالة وسيادة القانون، خصوصا في ظل عدم ورود أية إشارة إلى نزاع الصحراء المغربية في المناقشات الرسمية أو الاتصالات الدبلوماسية غير العلنية أو البيان الختامي.
وأوضح بيبوط، أن إدراج النزاع بشكل صريح في جدول أعمال القمة أو خلال أشغالها كان من شأنه أن يثير حنق غالبية أعضاء مجموعة العشرين؛ اعتبارا لمواقفهم الواضحة والداعمة لمبادرة الحكم الذاتي وتأييدهم لقرار مجلس الأمن رقم 2797 المتعلق بتمديد ولاية بعثة المينورسو مخافة تعميق فجوة عدم التوافق بشأن القضايا المطروحة، خاصة في ظل استمرار بعض الأطراف في اعتماد مقاربات متكلسة تجاه ملف الصحراء المغربية.
وأكد الباحث في التاريخ المعاصر والحديث أن غياب الإشارة إلى النزاع يعد بالنسبة للفاعلين السياسيين والمنتخبين بالأقاليم الجنوبية هزيمة دبلوماسية للمجموعة الداعمة للجزائر ودليلا على تراجع مكانة موقفها وتقهقره في سلم الأولويات لصالح الطرح المغربي داخل مختلف المنتديات الدولية، بما يسهم في تلاشي الضغوط المرتبطة بالاستفتاء أو مشاريع التقسيم والانفصال ويفتح المجال أمام إعادة تقييم داخل مخيمات تندوف قد يقود إلى التحرر من الهيمنة الجزائرية والانخراط الإيجابي في مسار الحل القائم على تنزيل الحكم الذاتي.
واسترسل المحلل السياسي في القول إن تهميش وجهة النظر الجزائرية يبرز تآكل السرديات المتوارثة عن الحرب الباردة وضعف الأداء الدبلوماسي الجزائري داخل الفضاءات متعددة الأطراف، وتعميق العزلة رغم احتضان القارة الإفريقية لأول قمة لمجموعة العشرين، مقابل صعود الموقف المغربي الساعي إلى إحداث تحول في فهم قواعد القانون الدولي ذات الصلة بحل النزاعات وفق مقتضيات الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يحمي وحدة الدول الترابية ويعزز الحلول التوافقية.
ونبه المتحدث إلى أن الرواية الجزائرية التي تحاول إلصاق النزاع بقضايا تصفية الاستعمار فقدت الكثير من صدقيتها أمام التحولات الجيوسياسية، في وقت بات فيه المجتمع الدولي أقل استعدادا لتشجيع مشاريع التفتيت وإعادة رسم الحدود وأكثر ميلا إلى اعتماد مقاربات واقعية ومستدامة تضمن الأمن الإقليمي والتنمية المشتركة.
وخلص دداي بيبوط إلى أن الجزائر أصبحت مطالبة اليوم باتخاذ قرار استراتيجي بين إعادة الانخراط الجاد في الأطر متعددة الأطراف ودعم العملية السياسية الجارية بحسن نية أو استمرارها في نهج التعطيل والمواجهة، بما قد يفضي إلى تهميش دائم وانعزال أعمق عن ديناميات النظام الدولي الجديد.



