دين و دنيا
خطبة الجمعة بمساجد المغرب .. الحرص على الكسب الحلال سجية للمسلم
توصل خطباء منابر المساجد في المغرب بموضوع و نص خطبة اليوم الجمعة و التي اختير لها موضوع الحرص على الكسب الحلال سجية للمسلم و هذا نصها الكامل:
الحمد لله الذي جعل الناس في أرزاقهم متفاضلين، وفي أعمالهم مختلفين، وعلى مصالحهم متكاملين ومتعاونين، نحمده سبحانه وتعالى على ما أولانا، ونشكره على ما هدانا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة صدق وإخلاص، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه بما هو أهله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا معاشر المؤمنين والمؤمنات، لقد تحدثنا في خطبتين سابقتين عن حرص المسلم على الكسب الحلال، إما من جهة الإخلاص في العمل المأجور وإما من جهة الصدق وعدم الغش في المعاملات. وبينا أهمية ذلك في حياته، وبكل ما يتناوله في ليله ونهاره وصباحه ومسائه، مع ارتباطه بما لله تعالى من حق الإيمان والعمل الصالح، ومن حق العباد في الصدق والإتقان ومراقبة الله تعالى في أموالهم وسائر حقوقهم.
روى أبو داود عن أم سلمة، رضي الله عنها قالت: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طَرْفَه إلى السماء فقال: «اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل أو أَزِل أو أُزَل أو أَظلِم أو أُظلَم أو أَجهَل أو يُجهَل عليَّ»[1].
هذا هو حال سيدنا رسول الله ﷺ يدعو ربه أن يحفظه في يومه، من الضلالة والزلل والظلم والجهل، فإن نجا المؤمن من هاته الأوصاف كانت معاملته حسنة وكسبه حلالا، وعندما يعود المؤمن إلى بيته مساءً يحاسب نفسه على العمل الذي أنجزه في يومه، هل أتقنه وأخلص فيه؟ هل عَمِله قربة وتدينا، ينتظر بذلك الأجر العظيم من الله تعالى؟ أم غابت عنه هذه المعاني فلا يرى إلا الربح الدنيوي، ناسيا قوله تعالى:
مَاعِندَكُمْ يَنفَدُۖ وَمَا عِندَ اَ۬للَّهِ بَاقٖۖ وَلَيَجْزِيَنَّ اَ۬لذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ[2].
وبذلك تصير المراقبة ومحاسبة النفس مَلَكَةً له – أي طبيعة راسخة في نفسه- ودأبا ودَيْدَنا وسلوكا؛ قال الله تعالى:
و َاعْلَمُوٓاْ أَنَّ اَ۬للَّهَ يَعْلَمُ مَا فِےٓ أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُۖ[3].
وهي حال يستشعر فيها المسلم قرب الحق منه، فيتحلى بمقام الإحسان الذي يجعله متقنا لعمله متحريا الكسب الحلال فيه.
روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ، ذكر ثلاثة نفر، خرجوا فغيَّمت عليهم السماء وأَوَوْا إلى غارٍ فطبَّقَت عليهم صخرةٌ وسَدَّت عليهم الباب، ولا يَعْلَم بهم أَحَدٌ، فتَوسَّلُوا إلى الله تعالى بأخلص أعمالهم؛ تَوسل أحدهم بِبِرِّ الوالدين وتقديمِهما عند الشراب على أولاده، وتوسل الثاني بتِرك المَعْصِيَّة بعد التَّمَكُّن منها مخَافةَ الله تعالى، وقال الآخر: اللهم إِنْ كُنتَ تَعلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرتُ أَجيرا بفَرَقٍ من ذُرَةٍ- وفي رواية من أَرُزٍّ فَأَعطَيْتُه، وأَبَى أن يأْخُذَه، فَعَمدت إلى ذلك الفَرَقِ –والفَرَقُ مِكيال يَسَعُ ستة كيلوا كرامات- فَزَرَعْتُه، حتى اشتريت منه بقرا وراعِيَها، ثم جاء فقال: يا عبدَ الله، أعطني حقِّي، فقلت: انْطَلِق إلى تِلك البَقر وراعيها، فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقُلت: ما أستهزئ بك، ولكنَّها لك. اللهم إِنْ كنتَ تَعلَم أَني فعلتُ ذلك ابتغاءَ وَجهِك، فافرِج عنّا، فكشف عنهم، فخرجوا يمشون.
[4].
عباد الله، الجامع بين هؤلاء الثلاثة هو أنهم جميعا توسلوا بصالح عملهم حين أخلصوا فيه النية وأتقنوه وأحسنوا فيه، وأنهم فعلوا تلك الأعمال تقربا إلى الله تعالى، حين قال كل واحد منهم: “اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك”؛ إذ لو كان للنفس في هاته الأعمال نصيب وحظوظ وهوى، لما بلغت بهم تلك المنازل العظيمة، ولما نفعتهم في وقت الشدة، لأن آثار الأعمال الصالحة تظهر على صاحبها في العاجلة قبل الآجلة.
وهذا غاية ما يمكن أن يصل إليه المسلم من البر والإحسان، والكسب الطيب ورعاية حقوق الآخرين بالإتقان والإجادة.
نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية