المستجدات العربية

تحوّلات في المشهد الدبلوماسي الموريتاني: زمنُ التداول ومساراتُ التجديد

بقلم: سيداتي بيدا

 عضو الاتحاد الدولي للصحافة العربية

تعيش الدبلوماسية الموريتانية في الآونة الأخيرة على إيقاع متغيّرات هادئة المظهر، عميقة الدلالة، مع اقتراب إحالة ما يقارب سبعة من كبار سفراء البلاد إلى التقاعد نهاية العام 2025. وهي خطوة، وإن بدت إدارية في ظاهرها، فإنّها تحمل بين طياتها رسائل سياسية ورؤى استراتيجية تعكس حاجة الدولة إلى تجديد الدماء وإعادة هندسة حضورها الخارجي بما يتلاءم مع التحوّلات الدولية المتسارعة.

الدفعة المنتظرة من السفراء تشمل أسماء وازنة راكمت خبرات طويلة في العمل الدبلوماسي، وشكّلت واجهات رسمية لموريتانيا في لحظات حسّاسة من تاريخ علاقاتها الخارجية. من بين هؤلاء يبرز السفير سيدي ولد محمد لقظف ممثل البلاد في نيويورك، الذي ظلّ مرجعاً في الملفات الأممية المعقّدة، وسيداتي ولد أحمد عيشه سفير موريتانيا في موسكو، المعروف بقدرته على إدارة العلاقات في بيئة دولية شديدة الحساسية.

كما يأتي البرفسور كان بوبكر، سفير موريتانيا في برلين، وهو من الشخصيات التي جمعت بين الخلفية الأكاديمية والنجاعة الدبلوماسية، إضافة إلى السفير محمد عبد الله ولد خطره في أبيدجان، الذي لعب دوراً محورياً في تعزيز حضور نواكشوط غرب القارة. وفي الرباط، يستعد السفير أحمد ولد باهية لطيّ صفحة طويلة من العمل الدبلوماسي بين بلدين تجمعهما علاقات شديدة التعقيد والتداخل. ويشمل القرار أيضاً السفير عبدولاي ممادو في أبوجا، أحد أبرز الوجوه الداعمة لمسار التعاون الإقليمي داخل الفضاء الغربي الإفريقي.

إنّ إحالة هذه الكوكبة إلى التقاعد ليست نهاية أدوارهم، بقدر ما هي محطة طبيعية في مسار دولة تبحث عن معادلة دقيقة بين الوفاء لتجارب رجالها والحرص على ضخّ دماء جديدة تحمل رؤية مختلفة للحاضر والمستقبل. فالدبلوماسية، كبقية مؤسسات الدولة، لا يمكن أن تعيش على إيقاع السكون؛ بل تحتاج إلى تداول هادئ يضمن الاستمرارية دون أن يفقدها ديناميكية التحوّل.

ولعلّ هذا التحول المرتقب يضع وزارة الخارجية أمام تحدٍّ مزدوج: الحفاظ على الإرث الذي تركه هؤلاء السفراء، وفي الوقت ذاته فتح الباب أمام جيل جديد يمتلك أدوات التعامل مع عالم أكثر تعقيداً وتشابكاً. إنه امتحان للرؤية، قبل أن يكون مجرد قرار إداري.

وهكذا، فإنّ رحيل هذه الوجوه البارزة يفتح نافذة أوسع للتأمل في مسار الدبلوماسية الموريتانية: أيّ مستقبل نريده لها؟ وأيّ حضور نسعى إليه في فضاء دولي لا ينتظر أحداً؟ إنها أسئلة معلّقة على رصيف الزمن، تنتظر إجابات تأتي مع دفعة السفراء الجدد، وما سيحملونه من روح وعقل و… أمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى