أراء وأفكار وتحليل
بين بريق الملاعب وعتامة الواقع الاجتماعي

بقلم: سيداتي بيدا/التحدي الافريقي
هل يُعقل أن يحتضن بلدٌ ما بطولة قارية بحجم كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، ثم يعجز مواطنوه عن متابعة مباريات منتخبهم عبر بث أرضي مجاني؟ سؤال مشروع يفرض نفسه بقوة، لا من باب معاداة الرياضة أو التقليل من قيمتها الرمزية، بل من زاوية الحق العام في الولوج إلى حدث وطني جامع، ومن منطلق مساءلة الأولويات في السياسات العمومية.
لقد تحوّلت كرة القدم، دون شك، إلى شغف شعبي عابر للفئات والطبقات، وإلى أداة ناعمة لتكريس الانتماء وتعزيز الصورة الخارجية للدول. غير أن هذا الشغف ذاته يصبح مدعاة للقلق حين يُستثمر لتبرير اختلالات صارخة، أو لتكريس مفارقة مؤلمة: ملاعب حديثة، ومنشآت رياضية بمعايير دولية، يقابلها واقع اجتماعي هش، وبنيات تحتية تئن تحت وطأة الإهمال.
المليارات التي تُضخ في الرياضة، من بناء الملاعب، وتأهيل المرافق، وصرف رواتب وتعويضات ضخمة، لا يمكن إنكار أثرها الاقتصادي أو الإشعاعي. لكن السؤال الجوهري يظل: هل يتم هذا الاستثمار ضمن رؤية شمولية متوازنة، أم أنه يأتي على حساب قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والسكن اللائق؟ فبينما تُضاء الملاعب وتُزيَّن المنصات، ما تزال مناطق كاملة تعاني من غياب أبسط شروط العيش الكريم، ومواطنون يدفعون ثمن الفيضانات، أو يوارَون الثرى تحت أنقاض بنايات عشوائية، في مشاهد تختزل فشل التخطيط وغياب العدالة المجالية.
إن نقل مباريات المنتخب الوطني، أو المنتخبات العربية المشاركة، عبر القنوات الرسمية المجانية، ليس ترفًا إعلاميًا، بل واجب وطني، ورسالة مفادها أن الرياضة ملك للجميع، وليست امتيازًا لمن يملك القدرة على الاشتراك في القنوات المؤدى عنها. فالمنتخب يمثل الأمة، ومن حق الأمة أن تتابعه دون حواجز مادية.
لا أحد يجادل في أهمية التتويج بالكؤوس أو تحقيق الإنجازات الرياضية، فهي لحظات فرح جماعي مستحقة. لكن الخطورة تكمن في تحويل الرياضة إلى أولوية مطلقة، تُغطي على أعطاب بنيوية عميقة. فالرياضة، مهما علا شأنها، تبقى من الكماليات، بينما الصحة والتعليم والسكن اللائق والكرامة الإنسانية من الضروريات التي لا تقبل التأجيل.




