مع شروع الدولة في تنزيل ورش المجموعات الصحية الترابية، وابتدائه بجهة طنجة–تطوان–الحسيمة، دخلت الأطر الصحية بالمغرب مرحلة من القلق والترقب، في ظل غموض يلف هذا التحول البنيوي العميق الذي يمس جوهر الوظيفة الصحية العمومية، ويعيد طرح أسئلة كبرى حول الاستقرار الوظيفي، الأجور، والمكتسبات الاجتماعية.
فمن جهة، تسوّق الحكومة هذا المشروع باعتباره مدخلًا لإصلاح المنظومة الصحية، وتحسين جودة الخدمات، وتجويد الحكامة، مع وعود غير واضحة المعالم بخصوص تحسين الأجور، وخلق دينامية مهنية تسمح للأطر الصحية بالارتقاء بوضعها الاجتماعي، ومواجهة تآكل القدرة الشرائية، أملاً في إعادة الاعتبار للطبقة المتوسطة داخل القطاع الصحي.
غير أن الواقع الميداني، خصوصًا في الجهة التي شكلت نموذج الانطلاق، كشف عن حالة ارتباك وعدم يقين في صفوف الممرضين والأطباء وباقي الفئات الصحية، حيث يسود تخوف حقيقي من أن يتحول هذا الورش من فرصة إصلاح إلى نقمة مؤسساتية، تُفضي إلى تجريد الأطر من صفة الوظيفة العمومية، وضرب مبدأ مركزية الأجور، وما يرافق ذلك من ضمانات قانونية واجتماعية طالما شكلت صمام أمان للعاملين في قطاع يعاني أصلًا من الضغط، ونقص الموارد، والهشاشة.
وتزداد هذه المخاوف حدة مع استحضار تجارب دولية، من بينها النموذج الفرنسي، الذي لم يحقق النتائج المرجوة رغم اعتماده على الجهوية الصحية، بل أفرز تفاوتات مجالية واختلالات في الاستقرار المهني، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى ملاءمة استنساخ هذا النموذج في سياق مغربي يتسم بتفاوتات اجتماعية ومجالية حادة، وبمنظومة صحية مثقلة بإرث من الإكراهات.
إن الهاجس الأكبر اليوم لدى الأطر الصحية لا يرتبط فقط بالأجر، بل بـالأمن الوظيفي، وضمان عدم التراجع عن المكتسبات التي تحققت عبر سنوات طويلة من النضال، في ظروف صعبة طبعها الجهل، والفقر، والمرض، ونقص التجهيزات، وغياب التحفيز. وهي مكتسبات لم تكن امتيازًا، بقدر ما كانت تعويضًا جزئيًا عن حجم التضحيات التي قدمها مهنيّو الصحة للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمة العمومية.
وفي ظل هذا الوضع، يبرز مطلب أساسي يتمثل في إشراك حقيقي وفعلي للأطر الصحية وممثليهم النقابيين في صياغة وتنزيل هذا الورش، مع توفير ضمانات قانونية صريحة تحمي الوضعية الإدارية والمادية للأطر، وتربط أي إصلاح بتحسين ملموس في الأجور وظروف العمل، لا بتحويلهم إلى متعاقدين داخل بنيات جهوية هشة.
إن إصلاح المنظومة الصحية هدف وطني لا خلاف حوله، لكن نجاحه يظل رهينًا بمدى احترام كرامة الأطر الصحية، وصون حقوقهم، وبناء الثقة بدل تعميق الشك. فدون ذلك، قد يتحول مشروع المجموعات الصحية الترابية من رافعة للإصلاح إلى مصدر جديد للاحتقان الاجتماعي داخل قطاع يُعد من أكثر القطاعات حساسية في حياة المغاربة.