أصدر المركز المغربي للمواطنة دراسة استطلاعية نوعية حول السلوك المدني في الفضاء العام، بمشاركة 1173 مواطنًا من مختلف جهات المملكة.
وقد أبرزت نتائج الاستطلاع اختلالات حادة في احترام القيم والسلوكيات العامة، وسط دعوات لإصلاح جذري قبيل استضافة كأس العالم 2030.
🧭 السياق العام وأهداف الدراسة
تأتي هذه الدراسة في ظل تحولات اجتماعية وعمرانية عميقة يشهدها المغرب، أثرت على طبيعة التفاعل بين المواطنين في الفضاء العام، وتزامنت مع تراجع قيم التضامن والانضباط.
وتهدف إلى رصد تمثلات المواطنين حول ممارسات السلوك المدني، واقتراح آليات لتعزيزه.
منهجية الدراسة
تم الاستطلاع عبر استبيان إلكتروني مفتوح على منصتي فيسبوك وواتساب بين 10 فبراير و13 مارس 2025، بمشاركة فئات متنوعة، أغلبها من الذكور (75.9%)، ويمثل الموظفون النسبة الأبرز (33.2%).
وقد جاءت جهة الرباط سلا القنيطرة في المرتبة الأولى من حيث عدد المشاركين.
العلاقات بين الأفراد في الفضاء العام
أظهرت نتائج الاستطلاع تباينًا واضحًا في تقييم المواطنين لسلوكيات التفاعل داخل الفضاء العام، حيث عبّر المشاركون عن مستويات متفاوتة من الرضا وعدم الرضا، خاصة فيما يتعلق باحترام الآخر ومعايير اللياقة العامة.
ففي ما يخص احترام قواعد اللباقة، رأى 44.8% أن مستوى الالتزام يبقى متوسطًا، في حين عبّر 42.8% عن عدم رضاهم، واعتبر 12.4% فقط أن المغاربة يحترمون هذه القواعد بشكل مرضٍ.
وفيما يتعلق بعلاقات الجوار، صرّح 44.4% من المستجوبين بأنهم غير راضين عن مدى احترام المغاربة لجيرانهم، في مقابل 39.9% وصفوا هذا السلوك بالمستوى المتوسط، و15.7% فقط أبدوا رضاهم الكامل.
كما عبّر 52.2% من المشاركين عن انزعاجهم من الطريقة التي يُعامل بها النساء في الفضاء العام، مقابل 36% رأوا أن الأمر مقبول إلى حد ما، بينما لم تتجاوز نسبة الراضين 11.9%.
وفي مقابل هذه الصورة السلبية نسبيًا، أبدى 43.3% من المشاركين رضاهم عن طريقة تعامل المغاربة مع كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة، بينما وصف 37.9% الوضع بالمعتدل، وعبّر 18.8% عن عدم رضاهم.
أما فيما يتعلق بالتعامل مع الفئات الهشة والمستضعفة، فقد أشار 47.2% إلى أن هذا السلوك يبعث على القلق، في حين اعتبر 35.1% أن هناك حدًا أدنى من الاحترام، و17.6% فقط عبّروا عن ارتياحهم لهذا الجانب.
النظافة والسلوك البيئي في الفضاء العام
أفادت غالبية المشاركين بأن مستوى النظافة العامة في المغرب لا يرقى إلى تطلعاتهم، إذ عبر 73.5% عن استيائهم من رمي النفايات، مقابل 22.4% اعتبروا أن الوضع متوسط، و4% فقط أعربوا عن رضاهم.
كما أشار 66.8% إلى أن احترام المساحات الخضراء ضعيف، و27% فقط رأوا أن هناك حدًا من الالتزام، بينما لم تتجاوز نسبة الراضين 6.3%.
وفي ما يخص صيانة تجهيزات الفضاء العمومي، أبدى 69.8% من المستجوبين عدم رضاهم، و25.7% اعتبروا الوضع متوسطًا، بينما لم يتعد الرضا 4.5%.
كما برز التدخين في الأماكن العامة كإحدى الظواهر المقلقة، حيث عبّر 49.8% عن عدم رضاهم، و31.6% وصفوا الوضع بالمعتدل، و18.6% فقط عبروا عن رضاهم عنها.
النظام والانضباط السلوكي
عبّر عدد كبير من المشاركين عن قلقهم من ضعف النظام والانضباط. فقد أشار 60.7% إلى أن احترام المواعيد لا يحظى بالاهتمام الكافي، بينما وصف 34.7% هذا الجانب بالمستوى المتوسط، و4.6% فقط رأوه مُرضٍ.
كما أبدى 46.2% عدم رضاهم عن احترام الطوابير، واعتبر 41.4% أن هذا السلوك متوسط، في حين أبدى 12.3% فقط رضاهم الكامل.
أما في ما يتعلق بالسلوك داخل وسائل النقل العمومي، فقد أبدى 54.8% استياءهم، بينما رأى 37.8% أن الوضع لا بأس به، و7.4% فقط عبّروا عن رضاهم.
وتكرر نفس الاتجاه في تقييم احترام قوانين السير، حيث أبدى 60.9% عدم رضاهم، مقابل 32% اعتبروا السلوك متوسطًا، و7.1% فقط عبروا عن رضاهم.
وفي ما يتعلق بالمظهر العام، رأى 33.2% أن اللباس غير اللائق ينتشر، و41.9% اعتبروا أن هناك توازنًا نسبيًا، في حين عبر 24.8% عن رضاهم.
أما مسألة الحديث بصوت مرتفع في الأماكن العامة فقد أثارت قلق 53.5% من المشاركين، واعتبرها 39.4% ضمن السلوكيات المتوسطة، و7.2% فقط عن رضاهم.
سلوكيات أخرى تؤثر على الفضاء العام
كشف الاستطلاع عن انتشار مقلق لسلوكيات غير مدنية. فقد أكد 83.1% أن الغش في المعاملات التجارية منتشر، بينما 13.5% رأوا أنه محدود، و2.1% اعتبروه نادرا.
كما عبّر 87.7% عن انزعاجهم من المضايقات التي تصدر عن بعض حراس السيارات، فيما رآها 8.3% ظاهرة محدودة.
واعتبر 93.2% أن احتلال الملك العمومي بات ممارسة شائعة، و92.2% أشاروا إلى أن التسول، خاصة مع استغلال الأطفال، منتشر.
وعبّر 83.9% عن أن تشويه جمالية الفضاء العام يثير قلقهم، ورأى 84.4% أن وجود أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية أصبح مألوفًا، إضافة إلى 85.8% أكدوا انتشار الكلاب الضالة.
الانطباعات العامة حول السلوك المدني
أظهرت آراء المشاركين تباينًا بين الوعي والرغبة في التغيير. رأى 54.8% أن التسامح في الفضاء العام متوسط، و33% غير راضين، و12.1% اعتبروه مرتفعًا.
ورأى 57.6% أن السلوك المدني ضعيف، و39.5% أنه متوسط، و2.9% فقط وصفوه بالجيد جدًا.
وأكد 54.2% أنهم تدخلوا لتصحيح تصرف غير مدني، و37.4% قالوا إنهم فعلوا ذلك نادرًا، و8.4% لم يسبق لهم التدخل. وشارك 38.8% في مبادرات مواطنة، بينما لم يشارك 30.9% أبدًا.
كأس العالم 2030.. رهانات وتحديات
رأى 36.7% أن تأثير كأس العالم سيكون محدودًا، و22.7% توقعوا تحسينًا كبيرًا، بينما 32.9% لا يرون أي تأثير، و7.7% توقعوا تأثيرًا سلبيًا.
واعتبر 84.8% أن الغش التجاري أبرز تهديد لصورة المغرب، و81.7% قلقوا من النفايات، و77% من التسول، و73.6% من غياب مراحيض نظيفة، و73% من سلوك سائقي الطاكسيات، و71.7% من ضعف المستعجلات، و71.6% من عدم احترام النظام، و69.6% من التحرش، و64.9% من المضايقات، و61.9% من القيادة المتهورة.
العوامل المؤثرة في السلوك المدني
أشار 80% إلى أهمية الأسرة، و59.7% إلى التعليم، و54.9% إلى تطبيق القانون، و44.4% إلى القيم الأخلاقية، و43.3% إلى العدالة.
كما أشار 38.9% إلى الإعلام الرقمي، و36.5% إلى الشفافية الإدارية، و25% إلى القدوة، و20.8% إلى المشاركة المجتمعية.
خلاصة وتوصيات
يبرز الاستطلاع فجوة بين السلوك المرجو والواقع، ويقترح معالجته بثلاثة محاور: التربية والقدوة، الزجر وتطبيق القانون، والمشاركة المجتمعية.
ويُعد تنظيم كأس العالم فرصة تاريخية لإطلاق دينامية وطنية نحو ترسيخ السلوك المدني، شريطة مواكبتها بإرادة مؤسساتية واستثمار رمزية الحدث الرياضي.