المستجدات الوطنية

إستراتيجية المغرب في مواجهة التغيرات المناخية

يعد موضوع التغيرات المناخية من المواضيع التي شغلت بال العديد من المفكرين والباحثين والمهتمين بشأن البيئة والمخاطر التي أصبحت تهددها، ولا شك أن الحديث عن المشاكل التي أصبحت تثيرها هذه التغيرات قد أخذت حيز مهم من زمن النقاشات المطروحة على الساحة الدولية، ففي الوقت الذي اشتد فيه النقاش حول النظام العالمي الجديد والتحولات التي يعيشها، خرجت إلى الوجود حاجة الإنسانية تدعو إلى ضبط الممارسات والسلوكات التي أفضت إلى بروز مشكل التغير المناخي.

يعرف التغير المناخي على أنه اختلال في الظروف المناخية المعتادة، والذي يعزى إلى النشاط البشري المفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي. شهد العالم في الآونة الأخيرة ظواهر مناخية غير مسبوقة دفعت الدول إلى التحرك للحد أو التخفيف من آثارها، فكان انعقاد مؤتمر ريو (قمة الأرض) سنة 1992، الذي ضم 172 دولة حول ظاهرة التغيرات المناخية، ترجمة لهذا التحرك الذي أبان عن نية المجتمع الدولي في مواجهة تبعات هذه الظاهرة، وعلى هذا الأساس توالى انعقاد المؤتمرات الدولية، ففي سنة 1997 شاركت 100 دولة في بروتوكول كيوتو وتدارست حول ظاهرة الاحتباس الحراري، ثم مؤتمر مراكش 2001 لتطبيق مقتضيات البرتوكول الأخير، ثم مؤتمر نيروبي 2006…، يعبر هذا عن وعي الدول بالمخاطر التي أصبحت تهدد البشرية الناتجة عن التغيرات المناخية، وهو ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة في التقارير الصادرة عنها والتي تبين من خلالها أن العالم فقد مجموعة من أصناف النباتات والكائنات الحية، ومما لا شك فيه، فإن المغرب يعد واحد من هذه الدول المهددة بوجود مشاكل مناخية وبيئية من جهة، ومن جهة ثانية فهو معني باتخاذ تدابير وقائية في هذا الجانب، لذلك نجده قد انخرط على المستوى الدولي، في مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة بالتغيرات المناخية، وعلى المستوى الوطني سن ترسانة قانونية جد متقدمة الهدف منها ضبط الممارسات والتصرفات المفضية إلى الإخلال بالحالة الطبيعية للمناخ، من هذا المنطلق نتساءل، كيف ساهم المغرب في مواجهة معضلة التغيرات المناخية؟ وما هي الاستراتيجية التي اتبعها في هذا ذلك؟

إن الحديث عن استراتيجية المغرب في مواجهة هذه التغيرات المناخية، يدفعنا إلى سبر معالم السياسة المتبعة في هذا الجانب.

جاء انخراط المغرب في نسق الاتفاقيات الدولية حول التغيرات المناخية بعد وعي بمدى الخطورة التي أصبحت تشكلها هذه التغيرات على مستقبل البشرية، في هذا السياق جاءت الخطب الملكية منذ سنة 1992 تعزيزا لهذا التوجه، حيث دعا الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2009، الحكومة إلى إعداد ميثاق وطني شامل حول البيئة والتنمية المستدامة وضرورة تفعيله والالتزام به في إطار خطة عمل مندمجة.

على المستوى العملي تتوضح لنا أكثر توجهات المغرب في حماية البيئة من الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية، حيث يجسد لنا مخطط الطاقة الشمسية الذي أطلق في شهر نونبر 2009، إلى جانب المشاريع البيئية الأخرى من قبيل مخطط المغرب الأخضر، مخطط الاستثمار الأخضر، صورة واقعية للالتزام الفعلي بمضامين الاتفاقيات الدولية. إن السياسة البيئية للمغرب والتي نستشف جزءا منها من الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، تستدعي منا أولا تبيان أهم النصوص القانونية التي صاغها المشرع المغربي لتعزيز حماية البيئة ودعم جهود محاربة التلوث، لأن الآلية القانونية آلية فاعلة في تنزيل السياسات البيئية، ومن هذه القوانين هناك، قانون رقم 11.03 يضع المبادئ والقواعد المرجعية لحماية واستصلاح البيئة، ثم القانون رقم 12.03 الذي استحدث آلية عملية للوقاية من التلوث وهي دراسة التأثير على البيئة، ثم القانون 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة، القانون 22.10 يتعلق باستعمال الأكياس واللفيفات من البلاستيك القابل للتحلل أو القابل للتحلل بيولوجيا، القانون 13.03 يحدد قواعد وميكانيزمات وقاية الإنسان والبيئة بشكل عام من الأضرار الناجمة عن تلوث الهواء، إلى جانب نصوص قانونية أخرى لا تقل أهمية، ولا شك أن هدف المشرع من وضع هذه الترسانة القانونية هو ضبط وتحسين علاقة الأفراد بمحيطهم، من جهة ثانية، زكى المغرب مساره في مواجهة مشكل التغير المناخي، بخطوات مهمة في تنفيذ التزاماته تجاه الاتفاقية الإطار، ففي 4 فبراير 2016 أعطيت الانطلاقة الرسمية لمحطة نور 1 للطاقة الشمسية بمدينة ورزازات، كتفعيل لاستراتيجيته الطاقية، كما أقدم على رفع طموحاته لتأمين 52 بالمائة من قدرته الكهربائية الوطنية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2013، وفي نوفمبر من نفس السنة نظم المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22) الذي احتضنته مدينة مراكش، الشيء الذي يؤكد عزمه على المساهمة الفعالة في الجهود العالمية لإيجاد حلول دائمة لتغير المناخ.

لا ننكر اليوم أن المغرب يتميز بهشاشة بيئته حيال الآثار السلبية للتغيرات المناخية، حيث تتجلى هذه الهشاشة في توالي فترات الجفاف، إلى جانب الفيضانات التي عرفتها المملكة في الآونة الأخيرة وارتفاع في درجة الحرارة، وبالتالي فإن الأمر أصبح يقتضي منه مضاعفة جهوده التنموية وطنيا، وضرورة إشراك كافة الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والمجتمع المدني في سبيل بناء أسس تعاون وطني لمواجهة هذه الآثار العكسية، أما دوليا فيجب على المغرب أن يعزز موقعه ودوره كبلد أعتبر من السباقين المساهمين في رفع التحدي الذي تفرضه التغيرات المناخية على جميع الدول وخاصة منها الدول النامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى